نحو إسلام الرسول

(988) 17/12/2017 «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ»

من الضروري أن يعلم متدبر القرآن، أن استنباط أحكام القرآن «علمٌ» له قواعده وأدواته، وأن الذي يفهم القرآن استنادًا إلى علوم «اللغة العربية» وحدها، دون دراية بـ «علم السياق»، وفعالية «منظومة التواصل المعرفي» مع المقابل الكوني لـ «كلام الله» سَيَضِل، ويُضِل الناس بغير علم.

إن الذين يقرؤون القرآن يعلمون أن السياق القرآني قد يأتي بأحكام، ثم يليها مباشرة يأتي بآيات عن دلائل الوحدانية، أو عن الوعد والوعيد، ثم يعود مرة أخرى لاستكمال أحكام سابقة.

وقد يأتي السياق بأحكام جديدة، ثم يتحدث عن الكافرين والمنافقين، وموقف أهل الكتاب من دعوة النبي الخاتم، وأحكام قتال المعتدين منهم، ثم يعود لاستكمال بيان مسألة سابقة.

وقد تأتي كلمة «يستفتونك» وسط آيات دون أن يكون لموضوع السؤال أي علاقة بهذه الآيات، وإنما جاءت بيانًا لآية سبقت هذه الآيات بعشرات الآيات، فجاء الله بمزيد بيان لـ «الآية ٣» من سورة النساء، بقوله تعالى «الآية ١٢٧»:

«وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ..»

و«الاستفتاء» في أمر «النساء» يشمل الصغيرات والكبيرات، اليتيمات وغير اليتيمات، ولكن الله خص «يَتَامَى النِّسَاءِ» بالجواب لأنهن كن موضوع الفتوى.

لقد كان «الأوصياء» في الجاهلية ينكحون «اليتيمة» عندما تبلغ النكاح إذا كانت ذات مالٍ وجمال، أما كانت غير مرغوب في زواجها فيقوم بمنعها من التزوج حتى لا يشاركه زوجها فيما تحت يده من مالها.

فنزل القرآن يصحح ما كان المسلمون يتبعونه من عادات الجاهلية، ومن ذلك أحكام «اليتامى» التي وردت في مقدمة سورة النساء، والتي جاء تفصيل لها في هذه «الآية ١٢٧»:

* «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ»

* «وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ»

* «اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ»

* «وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ»

* «وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ»

* «وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً»

لقد جاء هذا البيان «الآية ١٢٧» للرد على الذين يقولون إن شرط «النكاح» الوارد في «الآية ٣»:

«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ»

فقد جاءت «الآية ١٢٧» قاصمة لظهورهم الفكرية العشوائية، فهي تُبيّن أن النكاح يتعلق بـ «اليتيمات» وليس بـ «أمهاتهن»، فالذين استفتوا رسول الله استفتوه عن نكاح «يَتَامَى النِّسَاءِ»!!

ونلاحظ أن الإضافة في «يَتَامَى النِّسَاء» من باب إضافة «الخاص إلى العام»، لأن النساء بوجه عام ينقسمن إلى «يتامى» و«غير يتامى»، ونلاحظ أن الضمير عائد على «يَتَامَى النِّسَاءِ» وليس على «أمهاتهن»!!

ولقد جاء بيان السبب في طلب الفتوى «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ» في نفس «الآية ١٢٧» وهو:

* «قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ»

* «وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ»

أي ما يتلى عليكم فيما سبق «الآية ٣» وهو قوله تعالى:

«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى»

ثم فصّله الله تعالى بقوله «الآية ١٢٧»:

* «اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ»

أي وإن خفتم ألا تعطوا «يَتَامَى النِّسَاء» حقوقهن، فابتعدوا نهائيًا عن نكاحهن، واذهبوا إلى نكاح غيرهن من النساء «الآية ٣»:

«فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ»

ولنا وقفة مع قوله تعالى:

«وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ»

إن مادة «رَغَبَ» إذا جاء بعدها حرف «في» فتعني «أحب» ونقول «رغب في»، وإذا جاء بعدها حرف «عن» فتعني «كره» ونقول «رغب عن».

فإذا نظرنا إلى جملة «وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ» نجدها محذوفة الحرف الذي يقوم بالتعدية «حبًا أو كرهًا» لأن السياق يقصد المعنيين، كما بيّنت ذلك عند الحديث عن موقف «الأوصياء» السلبي والإيجابي من «يَتَامَى النِّسَاء».

ثم عقب بأحكام تتعلق أيضا بالنكاح، وما قد يحدث من الزوجين من نشوز، فقال تعالى عن نشوز الزوج «الآية ١٢٨»:

«وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ..»

ثم جاء بعدها بحكم يتعلق أيضًا بـ «الآية ٣»، وهو قوله تعالى:

«فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

والذي يُبيّن أن المقصود بـ «العدل» في الآية هو ما يمكن للزوج أن يحققه بصورة عملية، أما ما يتعلق بالمشاعر القلبية فهي ليست بيده، ولذلك قال تعالى مؤكدا استحالة أن يكون هناك عدل في مسألة المشاعر القلبية:

* «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ»

ولو وقف السياق عند هذه الجملة، لكان من حق «الملحدين» المشككين في «الإباحة المطلقة» لتعدد الزوجات، أن يقولوا بالمنع، ولكن الله جاء بما يؤكد الإباحة المطلقة بقوله تعالى بعدها:

* «فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ»

أي أن الرجال ليسوا منهيّين عن حصول تفاوت في ميولهم القلبية تجاه نسائهن، لأنها مسألة ليست بأيديهم، وإنما منهيّون عن إظهار هذا التفاوت في أقوالهم وأفعالهم.

وإذا كان التفاوت في الحب يوجب التفاوت في النتائج، مما قد يؤثر على العلاقة الزوجية بصورة سلبية، فيجب أن يسبق الطلاق محاولات الإصلاح:

* «وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً»

فإن استحالت العشرة بين الزوجين، يكون التفريق بينهما أفضل:

«وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً»

والسؤال الذي يفرض نفسه دائما:

هل وقفنا على الفرق بين «المنهجية العلمية» التي يقوم عليها «تدبر» القرآن، و«المنهجية العشوائية» التي يقوم عليها «الإلحاد» في أحكام القرآن، الذي يُروج له «الجهلاء» من أتباع بدعة «القرآن وكفى»، وبدعة القراءات القرآنية المعاصرة؟!

إن «المنهجية العشوائية الإلحادية» التي قامت عليها القراءات القرآنية «الشحرورية» المعاصرة لا تستحق أصلا أن توصف بـ «العشوائية»، لأنها أدنى من ذلك بكثير، وخير برهان على ذلك ما قاله في «الفيديو» المرفق!!

إن «شحرور» يعيش في عصر الجاهلية، ويضحك على شركائه وأتباعه بـ «المعاصرة»، ويؤمن أن هناك «عشرة مبشرين بالجنة»، ويستند إلى أفعالهم في تدعيم جهله!!

ولأن قراءاته المعاصرة تجعل الواقع حاكمًا على فهم القرآن، واستنباط أحكامه، نراه يسأل عن نسبة «التعددية» في سوريا، أو في غيرها!!

ويقول له المحاور:

المفهوم أن العدل بين «الزوجات»، فيرد عليه «شحرور» ويقول:

أعوذ بالله ما علاقة للزوجات نهائيًا بهذا الموضوع، المقصود العدل بين الأيتام!!

أما عن بدعة «فعل الشرط وجوابه»، في قوله تعالى:

«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ»

والتي يلعب بها «الجهلاء» من نجوم القراءات الإلحادية المعاصرة والمستنيرة، فبيانها في المنشور القادم.

محمد السعيد مشتهري

https://youtu.be/0Ykl_Z2ysl4?t=26

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى