لقد ذكرت في المنشور السابق، أن كلمة «نِسَاء» وردت في كتاب الله تسعًا وخمسون «٥٩» مرة، من خلال البحث عن الجذر «نسو»، وتفصيل ذلك على النحو التالي:
# سورة البقرة:
١- الآية «٤٩»:
* «يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ..»
– الاستحياء طلب الحياة، فكانوا يذبحون الأولاد «الذكور»، ويُبقون على حياة «الإناث».
ولم يقل «وَيَسْتَحْيُونَ بَنَاتِكُمْ»، في مقابل «أبنائكم»، باعتبار ما سيؤول إليه حالهن، فيَصِرْن «نساءً» يَصْلُحن للسبي والخدمة.
٢- الآية «١٨٧»:
* «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ..»
– «الرَّفَثُ» كناية عن «الجماع» ومباشرة الرجل زوجه.
٣- الآية «٢٢٢»:
* «فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ..»
– كناية عن ترك «الجماع» في فترة الحيض.
٤- الآية «٢٢٣»:
* «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ..»
– شبّه «النساء» بالحرث كتشبيه «النسل» بالزرع «المحروث»، بقرينة «فَأْتُوا حَرْثَكُمْ».
٥- الآية «٢٢٦»:
* «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ..»
– الإيلاء: الحلف، أن يحلف الرجل ألا يقرب زوجه.
٦- الآية «٢٣١»:
* «وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ..»
– طلاق «النساء» معروف.
٧- الآية «٢٣٢»:
* «وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ..»
– طلاق «النساء» معروف.
٨- الآية «٢٣٥»:
«وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ..»
– خطبة «النساء» معروفة.
٩- الآية «٢٣٦»:
* «لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ..»
– طلاق «النساء» معروف.
# سورة آل عمران:
١- الآية «١٤»:
* «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»
وسأقف عند هذه الآية قليلًا:
أولًا:
لقد جمعت هذه الآية الشهوات التي تحكم حياة الناس، بذاتها أو بما قام مقامها على مر العصور، وهي:
النساء، والبنين، والأموال المكدسة، والخيل التي أحسن خدمتها، والأنعام، والأرض.
ثانيًا:
نلاحظ أن سياق الآية ليس سياقًا «تشريعيًا» جاء ليُبيّن للناس معنى الكلمات التي وردت فيه، لأن الله يخاطب أهل اللسان العربي بما يعلمونه.
وهذا ما يجهله «شحرور وأنصاره» عندما يُلحدون في الآيات القرآنية، ويقولون إن «النساء جمع نسيء»، وهو كل ما تأخر من الأشياء!!
نتمنى لهم الشفاء العاجل، لأن «الفيروس الشحروري» إذا أمسك بالقلب «أظلمه»، وجعل عليه «أقفالًا» يستحيل فتحها، إلا أن يشاء الله.
إن سياق الآية ليس سياقًا تشريعيًا، وإنما سياق «خبري» جاء يُحذّر الناس من فتنة هذه الشهوات.
ولذلك لم يكتف بذكر «الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» وإنما ذكر قبلها «الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ»، وذلك لبيان أن المقصود النهي عن الاستغراق في هذه الشهوات.
ثالثًا:
هناك في «علم السياق» ما يُسمى بـ «المفهوم الضمني»، وهو إخفاء ما يمكن للإنسان فهمه تلقائيًا من السياق، ومثال ذلك:
لم يذكر الله تعالى في الآية المقابل لحب «الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ»، وهو «حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ الرِجَال»، باعتبار أن ذلك سيفهم ضمنيًا، وهو من «أساليب البيان» المعروفة في القرآن.
فقد أخفى الله معصية «زوج آدم»، وصرح فقط بمعصية آدم، فقال تعالى:
* «فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ»
ثم قال تعالى:
«وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى»
ولم يقل «وعَصَيَا»، كما قال «فَأَكَلا»، و«لَهُمَا»، «وَطَفِقَا»، لأن معصية «زوج آدم» مفهومة ضمنيًا.
وأخفى الله في هذه الآية:
«زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ»
ذكر «البنات»، وعطف «البنين» فقط على النساء، لأنه لا يُعقل أن تتحرك شهوات الناس نحو «البنين» دون «البنات»!!
رابعًا:
لقد فطر الله الناس على حب الشهوات، باعتبارها ضرورة حياتية من أجل متاع الحياة الدنيا، ولكن عليهم أن يضعوا الضوابط الحاكمة لهذا الحب، حتى لا يجدوا حياتهم كلها أصبحت شهوات!!
لذلك قال تعالى بعدها «الآية ١٥»:
«قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»
وهنا تظهر أهمية «علم السياق» في فهم القرآن واستنباط أحكامه، فكما بدأ حب الشهوات بـ «النساء»، جاء بالمقابل له من متاع الآخرة، فقال «وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ».
فكيف لا تكون «النساء» جمع «امرأة»؟!
خامسًا:
كلمة «النساء» اسم جمع امرأة، لا مفرد له، وتطلق بصفة عامة على «الإِناث»، ثم تأتي «القرائن» الدالة على التخصيص فتُبيّن المعنى المقصود.
فإذا قال الله تعالى:
«يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ»
فهمنا أن المقصود بـ «النساء» الأولى «أزواج النبي»، وبـ «النساء» الثانية عموم «النساء»، متزوجات وغير متزوجات.
٢- الآية «٤٢»:
* «وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»
ـ «عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»: على جنس «نساء» العالمين!!
٣- ٤: الآية «٦١»
* «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ»
ـ تعالوا نتضرع إلى الله جميعًا، ذكورًا وإناثًا.
# سورة النساء:
وهي التي وردت فيها كلمة النساء «٢٠» مرة، على النحو التالي:
١- الآية «١»
* «وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً»
– جاء بـ «النساء» في مقابل «الرجال».
٢- الآية «٣»
* «فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَٰثَ وَرُبَعَ»
– فانكحوا من بلغت سن النكاح من النساء، بوجه عام، ولي وقفة مع هذه الآية في المنشور القادم.
٣- الآية «٤»
* «وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً»
– والمقصود بـ «النساء» الأزواج.
٤- الآية «٧»
* «وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ»
لقد كان العرب في الجاهلية يُورّثون الرجال «أي الذكور» دون النساء «أي الإناث»، فنزل القرآن بإبطال ذلك، وجعل الإرث مشتركًا بين الرجال والنساء، حسب ما بينته آيات المواريث.
٥- الآية «١١»
* «فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ»
ذكر الله في أول آية المواريث أن الأولاد ينقسمون إلى ذكر وأنثى:
«يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ»
ثم قال بعدها مشيرًا إلى «الإناث»:
«فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ»
ونلاحظ أن الضمير «كُنَّ» مؤنث، وهو عائد على لفظ «أَوْلادِكُمْ» المذكر، فجاء مؤنثًا باعتبار أن كلمة «أَوْلادِكُمْ» صالحة للمذكّر والمؤنث، وجاء بالقرينة الدالة على المقصود فقال «نِسَاءً».
٦- الآية «١٥»
* «وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ»
– إن ضمير في «نِّسَآئِكُمْ» عامّ، يشمل «نساء» المخاطبين المسلمين.
٧- الآية «١٩»
* «لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً»
– وجاءت هذه الآية في سياق إبطال عادات الجاهلية، حيث كانوا يعتبرون «المرأة» ذاتها مالًا موروثًا «تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ»!!
٨- الآية «٢٢»
* «وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ»
– لا تنكحوا نساء آبائكم.
٩- الآية «٢٣»
* «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ .. وَأُمَّهَتُ نِسَآئِكُمْ»
– أم زوج الرجل محرمة عليه، وأيضا ما فوقها «جدة» المرأة، وإن لم يذكرها القرآن، ولكنها مما يُفهم «ضمنيًا»، وهن «المُحرّمات من النسب».
١٠- الآية «٢٣»
* «وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ»
– الربيبة هي «بنت» زوج الرجل من غيره، التي يقوم بتربيتها ورعايتها وهي في حجره.
١١- الآية «٢٤»
* «وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ»
– المرأة المحصنة هي «المتزوجة»، فجاءت في سياق المحرمات من النساء لأنه يحرم اشتراك رجلين في عصمة امرأة.
١٢- الآية «٣٢»
* «وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ»
– الآية ذكرت الرجال والنساء بقصد بيان أن السعي للكسب حق لعموم الناس.
١٣- الآية «٣٤»
* «ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ»
– وهنا ذكر الجنسين.
١٤- الآية «٤٣»
* «أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ»
– كناية عن مباشرة الرجل زوجه «الجماع».
١٥- الآية «٧٥»
* «وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ»
– وهنا ذكر الجنسين.
١٦- الآية «٩٨»
* «إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ»
– وهنا ذكر الجنسين.
١٧- الآية «١٢٧»
* «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ»
أي يستفتونك في أحكام النساء، بقرينة قوله تعالى بعدها:
«قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ..»، ثم قوله بعدها:
١٨- الآية «١٢٧»
* «وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ»
١٩- الآية «١٢٩»
* «وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ»
أي بين «الأزواج»، بقرينة «فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ» إلى بعضهن، وتتركوا أخرى كالمعلقة «فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ».
٢٠- الآية «١٧٦»
– ولقد ختم أحكام سورة النساء بـ «القاصمة» الكبرى، التي يجب على كل مؤمن مسلم عاقل أن يقذف بها في وجه كل «ملحد متأسلم» يُحرف أحكام القرآن، بداية بأصول الإيمان، ومرورا بأحكام الصلاة والزكاة والحج التي حملتها «منظومة التواصل المعرفي»، فيقول الله تعالى:
* «وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ»
فتدبر: «رِّجَالاً» – و«نِسَآءً»
في مقابل: «الذكر» – و«الأنثى»
وأكتفي بما سبق، لأن باقي السور تكرار لما سبق بيانه.
وسيظل السؤال قائما:
هل وقفنا على الفرق بين «المنهجية العلمية» التي يقوم عليها «تدبر» القرآن، و«المنهجية العشوائية» التي يقوم عليها «الإلحاد» في أحكام القرآن، الذي يُروج له «الجهلاء» أتباع بدعة «القرآن وكفى»!!
وهل يعلم الذين ينكرون هيئة الصلاة، من قيام وركوع وسجود، أنهم أجهل من الجهل نفسه، ولذلك هربوا جميعًا من الرد على عشرات المنشورات المتعلقة بأحكام الصلاة الموجودة على هذه الصفحة؟!
ولكن الذي يحزنني حقًا، أن أرى بعض أصدقاء الصفحة، والمفترض أنهم وقفوا على حقيقة «دين الإسلام»، يُعجبون بمنشورات هؤلاء الملحدين لمجرد وجود نقطة «عسل» في «السموم» التي تحملها منشوراتهم!!
إن «دين الإسلام» دين «الوحدانية»، وقد حرّم الله أن يُشرك به شيء:
«قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً»
وقد يكون هذا «الشيء» صغيرًا جدًا، وموجودًا في بحر من الوحدانية، ومع ذلك حرّم الله البحر كله، لأنه لم يعد بحر الوحدانية، وإنما مجرد «سراب»!!
محمد السعيد مشتهري
https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/videos/1555930527822157/