نحو إسلام الرسول

(981) 10/12/2017 كيف يستقبل المسلمون كلام الله؟!

لماذا لم تعد قلوب المسلمين تخشع لكلام الله، فلا مانع من سماع القرآن وهم منشغلون بأمور دنياهم، ولا مانع من تلاوة القرآن وقلوبهم تُحلّق في عالم آخر.

لم يعد «كلام الله» يُحرك في المسلمين ساكنًا.

لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»

لقد أنزل الله هذه الآية من باب ضرب الأمثال:

«لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»

فهل فهم المسلمون هذا المثل، وأعادوا التفكير في نظرتهم إلى هذا القرآن، ومدى تفاعل قلوبهم مع آياته؟!

إن القرآن «آية عقلية» تتفاعل نصوصها مع آيات الآفاق والأنفس المنتشرة في هذا الكون، ولذلك خشع «الجبل» وتصدع عندما نزلت عليه نصوص «الآية القرآنية».

فلماذا لا تخشع وتتصدع قلوب المسلمين؟!

لقد طلب المشركون من رسول الله محمد الآيات الحسية، كالتي أيد الله بها الرسل السابقين:

* «وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»

فنزل القرآن بقوله تعالى:

* «أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

هل تدبر المؤمنون المسلمون قوله تعالى:

– «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»؟!

وفي سياق آخر يقول الله تعالى:

* «وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا»

* «قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي»

* «هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

تدبر الروابط بين الآيات:

– «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)»

– «هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)»

ثم تدبر قوله تعالى بعدها يخاطب «القوم المؤمنين» ويقول لهم:

«وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»

تدبر ورود «الرحمة» في هذه السياقات:

«إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً» – «وَهُدًى وَرَحْمَةٌ» – «لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»

إذن فلا تسألني أين هي فعالية «الرحمة» في حياة «المؤمنين»؟!

لأني سأقول لك، وأين:

«فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»

إن «استمعوا» غير «اسمعوا»، الاستماع صيغة مبالغة في فعل «السماع»، ولذلك جاء بعدها بوجوب «الإنصات»، أي الاستماع مع عدم الكلام.

إن الاستماع والإنصات يؤديان بالسامع إلى الفهم الواعي والنظر والاستدلال الصحيح والاهتداء إلى نور القرآن.

فأين «الاستماع»، وأين «الإنصات» في عالم المؤمنين؟!

لقد قست قلوب «المؤمنين»:

«فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً»

لقد خشع «الجبل» وتصدع، وقلوب المسلمين لم تخشع!!

* «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا»

* «أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ»

* «وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ»

* «فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ»

* «وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ»

لقد مرت القرون، ووقع المسلمون فيما نهاهم الله عنه:

* «وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ»

لقد وصف الله الذين يسمعون القرآن وكأنهم لم يسمعوه بصفات يجب الوقوف عندها، لأنها في منتهى الخطورة، ومن ذلك قوله تعالى:

«وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»

إن مجيء فعل «تُتْلَى» في صيغة «المضارع» يعني أن التولي عن سماع الآيات أصبح أمرًا عاديًا بالنسبة للمعرض عن تدبر القرآن.

كما أن الإتيان بالفعل في صيغة «المبني للمجهول» يعني أن التولي والاستكبار كانا بسبب الآيات ذاتها، بصرف النظر عمن يتلوها.

ثم أضيفت «الآيَات» إلى الله تعالى «آيَاتُنَا» لبيان عظم شأنها، وأنها ليست هي التي يتولى من يسمعها عنها مستكبرًا!!

ثم يأتي «علم البيان» بـ «تشبيه بليغ» يُبيّن سبب هذا الاستكبار، وأن انعدام السمع كان نتيجة وجود مانع يمنع وصول الآيات إلى قلب المستكبر، فقال تعالى بعدها:

* «كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً»

و«الوقر» هو «الثقل»، ويستخدم بمعنى «الصمم» الذي يصيب الأذن، وقد جاء بتشبيه هذا «الصمم» في حالتين:

الحالة الأولى:

تعمد «المستكبر» عدم سماع الآيات حتى لا يتأثر بها، مع «سلامة آلة السمع»، ولذلك جاء في أول الجملة بـ «كَأَن» المخففة من غير تشديد النون، فقال:

«كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا»

أما في الحالة الثانية:

فأراد بيان شدة تعمد «المستكبر» عدم سماع الآيات، بالإضافة إلى مرض الاستكبار، فجاء في الجزء الثاني من الجملة بـ «كَأَنَّ» المشددة:

«كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً»

ثم عقّب الله على ما سبق بيانه بـ «استعارة تهكمية» للحط من قدر المستكبرين عن سماع آياته، وبيان مصيرهم في الآخرة، فقال تعالى:

«فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»

و«الاستعارة التهكمية» هنا في كلمة «فَبَشِّرْهُ»، لأن «البشرى» لا تكون بـ «العذاب الأليم».

وفي سياق بيان أساليب القرآن البلاغية في كشف حقيقة ما في قلوب المستكبرين المعرضين عن آيات الذكر الحكيم، يقول الله تعالى في سياق آخر:

«فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ. فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ. بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً»

لذلك كان مناسبا أن يبدأ بصيغة التعجب «فَمَا لَهُمْ»، ثم جاء فعل «مُعْرِضِينَ» بصيغة الحال لبيان تأصل الإعراض في قلوبهم ودوامهم عليه.

ثم «شَبّه» إعراضهم بفرار «الحُمُر» النافرة مما يُنَفِّرها، فقال تعالي:

«كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ. فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ»

* الحُمُر: جمع حمار، والمقصود الحمار الوحش.

* النفر: سرعة السير، وجاءت هنا بمعنى فرار الحُمُر عند الإحساس بالخوف.

* مستنفرة: عندما تدخل السين والتاء على الفعل فذلك من باب المبالغة في وصف الشيء.

* قَسْوَرَةٍ: تعني القسر والقهر والغلبة، ويُقصد بها في هذا السياق ما تفر منه «الحُمُر»، كالأسد مثلا.

إن المستكبرين المعرضين عن تدبر القرآن والعمل بآياته، يفرّون عند سماعه كما تفر الحُمُر هربا ممن يريد صيدها.

ولكن، لماذا شبه الله الذين لا يتدبرون آياته، ولا يعملون بما جاءت به، بـ «الحُمُر» دون غيرها من الحيوانات؟!

لأن «الحمار» لا يعلم «قيمة» الشيء الذي يحمله.

وهذه «كناية» عما وصل إليه أتباع الرسل، «بعد وفاة الرسل»، من الغفلة والتغييب العقلي الذي جعلهم لا يعلمون قيمة الشريعة الإلهية التي كانت في أيديهم قبل تحريفها.

فإذا ذهبنا إلى الشريعة الإلهية التي تعهد الله بحفظ كلماتها ومقابلها الكوني إلي يوم الدين، القرآن الكريم، فهل علم أتباع رسول الله محمد، قيمة هذا القرآن، وما يحمله من «آية عقلية»؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى