كثيرا ما أشعر أني بين مسلمين لا يعلمون حقيقة «الوحدانية»، ولا حقيقة «دين الإسلام» الذي كان عليه رسولهم، وأنا أراهم يُعطون «ظهورهم» لما يجب أن تكون عليه حياتهم، و«صدورهم» لما يخالفها.
أشعر بهذا وأنا أتلو هذه الآيات من سورة آل عمران:
١- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ»
– إنه تحذير لـ «المؤمنين» من اتباع أي شيء يَردّهم من بعد إيمانهم كافرين.
ويبدو أن فريقًا «مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، حاولوا إغواء وإضلال المؤمنين، فنزلت الآية، وإنما الخطاب عام ممتد إلى كل العصور.
والسؤال:
هل ظل «المؤمنون» على إيمانهم ولم يرتدوا بتفرقهم في الدين؟!
الجواب في قوله تعالى بعدها:
٢- «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»
– إن التعجب الوارد في جملة «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ..» يستحيل أن يراد به معرفة السبب، لأن هذا محال على الله، وإنما هو أسلوب «مجازي» يُبيّن أن من لم يعمل بمقتضيات «الإيمان» كفر.
– والسؤال:
«في» أي فرقة من الفرق الإسلامية نجد فعالية جملة «وَفِيكُمْ رَسُولُهُ»، حيث يتواجد الرسول برسالته؟!
* أكيد في «الفرقة الناجية»!!
– ولقد حملت الآية برهانًا قطعي الدلالة:
«وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ»
على أن الله لم يُنزل على رسوله «نصًا تشريعيًا» واجب الاتباع غير «النص القرآني».
– كما حملت الآية برهانًا قطعي الدلالة:
«وَفِيكُمْ رَسُولُهُ»
على أن الله لم يحفظ من فعاليات «النبي» مع «النص القرآني» في عصر التنزيل، إلا كيفية أدائه لما أجمله النص من أحكام القرآن.
– ثم يأتي «الوعد»:
«وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»
إن من يعتصم بالله، ويستمسك بطوق النجاة الوحيد، المذكور في البرهانين السابقين: «فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
ثم أين نذهب بقول الله تعالى بعدها:
٣- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»
– فأين هم «المؤمنون» اليوم الذين يخاطبهم الله بهذه الآية؟!
– وإلى أي فرقة ينتمون، وقد توعد الله تعالى:
«الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»
بالنار، إن هم لم يخلعوا ثوب «الفُرْقَة والمذهبية»؟!
– ثم أين نجد «حَقَّ تُقَاتِهِ»، الذي يقتضي الإتيان بتمام التقوى في حياة «المؤمنين»؟!
– وأين نجد فعالية:
«وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»
التي تقتضي ألا يفارق «دين الإسلام» حياة المؤمن لحظة واحدة، حتى لا يموت على غيره؟!
كيف وأنا أرى «المسلمين» يجادلون في مسائل دينية لا علاقة لها بـ «إسلام الرسول»، وقد أعطوا ظهورهم لقوله تعالى:
٤- «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا»
فأين نذهب بقوله تعالى:
– «جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا»:
إن الله تعالى يأمر المؤمنين ألا يُفرّطوا في وحدة أمتهم، لأنهم إذا تفرقوا فقد عصوا الله أصلا في أمر «الاعتصام»، وكفروا بنعمة تأليف قلبوهم.
٥- «وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً»
ـ ألم ينقلب المسلمون على أعقابهم بعد أحداث «الفتن الكبرى»، وارتدوا مرة أخرى إلى «الجاهلية»، يسفك بعضهم دماء بعض، وأصبحوا «أَعْدَاءً» إلى درجة يصعب عندها تأليف قلوبهم؟!
ـ ألم يكفر «المذهبيّون» أتباع الفرق المختلفة بنعمة «دين الإسلام» التي ألفت بين قلوب «المؤمنين» قبل «تفرقهم في الدين»؟!
ألم تكن «العشوائية الفكرية»، «والتفاهة المعلوماتية»، ولباس «الطائفية»، وادعاء «المهدية»..، من سمات «الجاهلية» التي توعد الله أصحابها بنار جهنم؟!
٦- «وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا»
– وهل هناك جماعة إسلامية، أو مؤسسة دينية، أو منظمة جهادية، أو قراءة معاصرة، لم يولد أتباعها داخل فرقة من الفرق الإسلامية، وتقوم توجهاتهم الدينية على مرجعيات هذه الفرقة، سواء بالتقديس أم النقد، والنقض؟!
فلماذا يضع المسلمون رؤوسهم في الرمال حتى لا يروا مصيبتهم العقدية، فإذا جاء من يأخذ بأيديهم ليخرجهم منها، رفضوا الإمساك بطوق النجاة؟!
والسبب:
أن من جاء ينقذهم غليظ القلب، يجهر بالسوء من القول..، فانشغلوا بأسلوبه عن موضوعه، فظلت رؤوسهم في الرمال!!
أنهم لا يريدون «الهداية» أصلا!!
٧- «كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»
ثم تدبروا الآيات التالية دون تعقيب مني:
* «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»
* «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»
* «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ»
* «فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ»
* «وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
* «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ»
* «وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ»
فهل ظلم الله المسلمين عندما تركهم في ذيل التقدم الحضاري، مع قراءاتهم «السلفية» للقرآن، و«القرآنية»، و«المعاصرة»، و«المستنيرة»؟!
ألم يسمع أصحاب هذه القراءات يوما قوله تعالى:
* «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا»
* «مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ»
* «وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»؟!
فأي قراءة من هذه القراءات وضع صاحبها يده على علة مرض «تفرق المسلمين في الدين»، وعاش حياته يدعو المسلمين إلى العودة إلى «إسلام الرسول»؟!
كيف، وكلهم مرضى بـ «المذهبية»، يعيشون داخل منظومة «التفرق في الدين»، مع اختلاف المنطلقات والمرجعيات، وبرهان ذلك عشرات المنشورات على هذه الصفحة؟!
محمد السعيد مشتهري