ذكر الصديق Mourad Moroco في تعليقه الآيات التالية:
١- «اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»
٢- «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»
٣- «إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»
٤- «وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً»
ثم سأل:
عن الفرق بين «الوفاة» و«الموت»، وعن هذا الحراك العالمي، وهذه المناقشات حول قضية المهدي المزعوم؟!
فأبدأ بالحديث عن الآية رقم «٣» وأقول:
أولًا: يجب أن ينطلق تدبر القرآن من قاعدة تنزيه الله عن كل ما يخالف فعاليات أسمائه الحسنى، والتي تدور حول محور:
«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»
وهنا يجب الاستعانة بأساليب «اللغة العربية» البيانية، وفي مقدمتها الأساليب «المجازية»، لأنه يستحيل فهم الآيات المتعلقة بذات الله تعالى على حقيقتها.
لقد خاطب الله تعالى عيسى، عليه السلام، بقوله:
«إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ»
وقيّد الرفع بكلمة «إليَّ»، الأمر الذي يستحيل معه أن نفهم «الرفع» بمعناه «المادي» المرتبط بجهة أو مكان يوجد فيه الله تعالى.
وعليه يتحول معنى «وَرَافِعُكَ إِلَيَّ» إلى المعنى «المجازي» الذي يفيد الرفع «المعنوي»، وذلك بقرينة أن الله لا مكان له تتحرك إليه الأجسام بالحلول فيه، والقرب والبعد منه.
١- وعليه نفهم «إِلَيَّ» الواردة في قوله تعالى في ذيل نفس الآية:
«ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ»
فلا يوجد مكان خاص بالله في الآخرة يستقبل فيه الناس، وإنما هي «مرجعية مجازية» تشير إلى يوم الحساب، بقرينة قوله تعالى بعدها «فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ».
٢- وقوله تعالى عن الذين قتلوا في سبيل الله:
«وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»
فقوله تعالى: «عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»
يستحيل أن يُفهم منها أن لله مكانًا في الآخرة يجلس فيه ويوزع على أهل الجنة الأرزاق، وإنما هي «عندية مجازية» تشير إلى نعيم أهل الجنة.
٣- وقوله تعالى في حق إدريس عليه السلام:
«وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً»
وهنا أيضا «رفع مجازي»، إشارة إلى رفع المنزلة المتعلقة بشرف النبوة والزلفى عند الله.
٤- وقوله تعالى لرسول الله محمد:
«وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ»
فلولا «الآية القرآنية»، التي أيد الله بها رسوله محمدًا، ما كان لرسول الله ذكر بين الناس، فجاء «الرفع المجازي» إشارة إلى دوام ذكر اسم الرسول مقترنا بـ «آيته» التي جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور.
٥- وقوله تعالى:
«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»
فهل هناك مكان خاص بالله تعالي يصعد إليه «الْكَلِمُ الطَّيِّبُ»، ويرفع إليه «الْعَمَلُ الصَّالِح»؟!
٦- ويقول الله تعالى في نفس الآية رقم «٣»:
«وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا»
فهذه الفوقية «فوقية مجازية»، لاستحالة أن تكون مكانية «مادية»، وهي إشارة إلى «فوقية» العلم الحجة والبرهان.
* وفي ضوء ما سبق، نفهم جملة: «وَرَافِعُكَ إِلَيَّ»
فكما أن الفوقية «فوقية مجازية»، ليست بالمكان بل بالدرجة والمنزلة، فإن «الرفع» في قوله تعالى «وَرَافِعُكَ إِلَيَّ»، رفع مجازي، لاستحالة أن يكون «ماديًا» إلى جهة معينة.
ثانيًا:
وهنا يأتي سياق الآيات لبيان لماذا كان هذا «الرفع»؟!
لأن رسول الله «عيسى بن مريم» ليس رسولًا كباقي الرسل من حيث ولادته «الآية ٤٧»:
«قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»
لقد تعرض لتحديات من بني إسرائيل تفوق ما فعلوه مع موسى، عليهما السلام، حتى وصل إلى القول «الآية ٥٢»:
«فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ»
ثم قال تعالى «الآية ٥٤»:
«وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»
ثم جاءت «الآية ٥٥» موضوع السؤال:
«إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ..»
فهذه بشارة إلى عيسى، عليه السلام، لما قدمه من جهاد وصبر في سبيل دعوته، وأن الله تقبل عمله واستوفاه، ورافعه إلى المنزلة التي يستحقها وهي منزلة الفضل والجزاء «الإلهي العظيم».
إن سياق الآية إخبارٌ عن مستقبل دعوة عيسى، عليه السلام، وأن الله ناصره ومؤيده:
* «وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا»
* «وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
فمن أين جاؤوا أنه «قتل»، ورفعه الله إلى السماء، لينزل كعلامة من علامات الساعة؟!
إن قوله تعالى عن عيسى عليه السلام:
«وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا»
لا علاقة له مطلقا بما يُسمى بـ «علامات الساعة»!!
لقد بعث الله عيسى إلى بني إسرائيل «وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» بعد أن ضاع إيمانهم، وكفروا بالبعث، لذلك خَصّه الله بآيات حسية تثبت أن الساعة ممكنة، ومنها إحياء الموتى «وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ».
و«العلم» هو ما يُعلم به، وقد أثبت عيسى بـ «إحيائه الموتى» ما يدل على البعث، وأن الساعة ممكنة، حتى لا تكون هناك حجة لمنكري البعث.
أي أن عيسى نفسه، أصبح بما جاء به من آية إحياء الموتى، «علمًا» وبرهانًا على الساعة:
«وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ»
لذلك عقب بعدها بقوله تعالى:
«فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا»
وللحديث بقية
محمد السعيد مشتهري