نحو إسلام الرسول

(96) 29/12/2013 (كلمة في المنهج)

منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، وبعد رحلة طويلة من الإيمان الوراثي إلى الإيمان العلمي اليقيني، وبعد الوقوف على خطورة الإتجاهات الفكرية المختلفة، التي تعاملت مع النص القرآني مباشرة، دون منهج علمي يثبت صحة هذا التوجه الفكري…، قررت أن يقوم مشروعي الفكري على منهج علمي، وعلى أدوات، مرجعيتها القرآن الكريم. لذلك فعندما أكتب، ألزم نفسي بالمنهج، وبالأدوات التي توصلت إليها. وتفاصيل هذه الرحلة، وهذا المشروع الفكري، منشورة على موقعي، ومدوّنة في مؤلفاتي، ومنها ما هو منشور على هذه الصفحة.
وعلى أساس ما سبق أقول: إن الذي يرى رأيا يخالف ما أنشره، عليه أن يقف أولا على منهجي، وعلى أدوات فهمي للقرآن، قبل إبداء هذا الرأي، ثم يُبيّن هل هذا الخلاف بسبب المنهج، أم بسبب الأدوات، أم بسبب عدم التزامي بهما؟! لأنه بدون الالتزام بهذا الأسلوب العلمي يتحول الحوار إلى جدل عقيم!!
لقد فهم بعض أصدقاء هذه الصفحة ما نشرته بالأمس على أساس أني أتحدث عما عُرف تاريخيا بـ “ميثاق عالم الذر”، وذلك بسبب استدلالي بآيات سورة الأعراف، التي استند إليها المفسرون في إثبات هذه المسألة، لذلك لزم التوضيح والبيان:
أولا: ليس في منهجي، ولا من أدوات فهمي للقرآن، مرجعية أمهات كتب التراث الديني، بجميع علومها وتخصصاتها!!
ثانيا: عندما أتوصل إلى فهم لآيات الذكر الحكيم، ويكون هذا الفهم موافقا لما ذكره المفسرون في كتبهم، فهذا ليس معناه أني أنقل عنهم، أو أتبع مذهبهم، ولا معناه أن أعيد النظر في أدوات فهمي للقرآن، لأنها وافقت المفسرين في مسألة ما!!!
ثالثا: لقد فهمت من آيات سورة الأعراف، التي ذكرتها في موضوع الأمس، أن الله تعالى أخذ من ذرية آدم ميثاق الربوبية، قبل أن يخرجوا إلى هذه الدنيا، وقبل أن يرسل إليهم الرسل، وقبل أن يُكلفوا بالشريعة، وذلك لقولهم عندما سألهم الله تعالى:” أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ” قالوا جميعا “بَلَى شَهِدْنَا”. فإذا كان معنى الشهادة هو إقامة الحجة على ذرية آدم بعد إرسال الرسل، فهذا معناه قبول ذرية آدم جميعا لدعوة الرسل، وإقرارهم بالوحدانية والربوبية، وذلك لقولهم: “بلى شهدنا”، وهذا يخالف بيان النص القرآني لموقف الناس من دعوة الرسل بين مسلم وكافر!!
رابعا: إن قول الله تعالى لذرية آدم: “أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ”، ثم قوله بعدها: “أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ”، بعد إقرارهم له سبحانه بالربوبية، يُوضح أن بين هذا الإقرار وبين جزاء الآخرة، هي فترة التكليف في الدنيا، فلما خرجوا إلى الدنيا وجدوا “ملة الآباء” في انتظارهم، وكانت هي الحاكمة المسيطرة على قلوبهم.
خامسا: لقد خلق الله تعالى القلوب بفطرة الوحدانية، وبميثاق الربوبية، وبآليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر…، آليات عمل القلب، ليقوم الإنسان بتفعيلها للوقوف على حقيقة “ملة الآباء”، ومدى موافقتها لرسالات الرسل. فإذا كان هذا التفاعل إيجابيا، دخل المرء في الإسلام، وإذا كان سلبيا فقد نقض ميثاق الربوبية، وكفر بالله ورسله. لذلك ختم الله تعالى هذه الآيات بقوله: “وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”، أي يرجعون إلى آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر…، آليات عمل القلب، وتفاعلها مع فطرة الله التي فطر الناس عليها.

* “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ”.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى