نحو إسلام الرسول

(959) 18/11/2017 كيف نتعامل مع القرآن (57)

«فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً»

إن المتدبر للسياق الذي وردت فيه هذه الجملة القرآنية، يعلم جيدًا حجم المأساة الفكرية والعقدية، التي يعيش بداخلها كل الذين ينكرون هيئة الصلاة التي عرفها المسلمون منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.

أولًا:

لقد بدأ السياق بفعل «أمر» موضوعه المحافظة على «الصَّلَوَاتِ»:

«حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ»

ولقد جاءت «الصَّلَوَاتِ» معرفة بـ «ألـ» التعريف لبيان أن المخاطبين كانوا يعلمون ما هي هذه «الصَّلَوَات»، وكيف يحافظون عليها.

ولكن، هل بيّن الله في القرآن للمسلمين معنى كلمة «الصَّلَوَات»، وكيف يحافظون عليها؟!

* القرآن لم يبين.

ثانيًا:

ولقد عطف الله على الأمر بالمحافظة على «الصَّلَوَاتِ» أمرًا ثانيًا بالمحافظة على صلاة سمّاها الوسطى «وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى».

فهل بيّن الله للمخاطبين بهذه الآية ما هي هذه «الصَّلاةِ الْوُسْطَى» التي يجب أيضا المحافظة على أدائها، والتي أضيفت إلى «الصَّلَوَاتِ» الأخرى؟!

* القرآن لم يبين.

ولكن هناك إشارات قرآنية مجملة، تثبت صحة ما نقلته «منظومة التواصل المعرفي» للمسلمين عن هذه «الصَّلَوَاتِ»، وشهد بها «المسجد الحرام»، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.

ثالثًا:

لقد عرف قوم النبي، أهل اللسان العربي، أن أقل الجمع في «الحقيقة» هو الزائد على الاثنين، أي ثلاثة، إلا إذا استخدم على سبيل «المجاز»، نحو:

«رأيت رجالًا» ونقصد رجلًا واحدًا يقوم مقام الرجال، وكما يُعبر الواحد عن نفسه بقوله «نحن فعلنا».

وجاؤوا ببعض الآيات التي يُفهم منها استخدام «الاثنين» على سبيل الجمع، في سياق «مجازي»، نذكر منها:

* «هَذَانِ خَصْمَانِ (اخْتَصَمُوا) فِي رَبِّهِمْ»

* «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (اقْتَتَلُوا)»

١- قوله تعالى: «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ»

يطلق «الخصم» على القليل والكثير، يقال: هذا رجل «خصم»، ورجلان «خصم»، ورجال «خصم»، كما في قوله تعالى:

«وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ (تَسَوَّرُوا) الْمِحْرَابَ»

فجاء اسم الإشارة الموضوع للمثنى، في قوله تعالى: «هَذَانِ خَصْمَانِ»، ثم جاء بضمير الجماعة عندما تحدث عن «موضوع» الخصومة «اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ»، باعتبار كثرة المختصمين في ربهم.

٢- قوله تعالى: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا»

إن الذي يقول: عليّ أن أصوم أيامًا، أو أصلي صلوات، أو أسافر أسفارًا..، يلزمه الإتيان «بثلاثة» على الأقل مما ذَكَر، ما لم توجد قرينة على خلاف ذلك.

و«الطائفة» تطلق على القليل والكثير، يقول الله تعالى:

«وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»

فيجب أن يكون عدد المؤمنين أكثر من «اثنين»، إذن فالمراد «جماعة» من المؤمنين.

وقد «جمع» ضميرهما فقال «اقْتَتَلُوا» باعتبار أفراد الطائفتين، و«ثَنّاهما» باعتبار مجموع كل طائفة.

رابعًا:

إذن فأقل الجمع عند أهل اللسان العربي هو «ثلاثة»، وعليه نفهم أن عدد «الصَّلَوَاتِ» التي يجب المحافظة عليها «ثلاثة».

ثم عطف عليها صلاة أخرى فقال: «وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى»

إذن فـ «الصَّلاةِ الْوُسْطَى»، بالبرهان قطعي الدلالة، تزيد عن الثلاثة، وإلا ما كان للعطف قيمة في هذا السياق.

ولما كان يمتنع أن تكون هذه الصلاة هي «الرابعة»، لأنها لن تكون «الوسطى»، كان لابد أن ينضم إلى الثلاثة أقل عدد يجعلها «وسطى»، وهو «اثنان»، لتصبح «الصَّلَوَاتِ» خمس.

وهذه الآية تؤكد أن عدد «الصَّلَوَاتِ» خمس، وهو العدد الذي عرفه المسلمون منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، ونقلته لنا «منظومة التواصل المعرفي».

خامسًا:

إن «إقام الصلاة» على وجهها التام، بهيئتها وعدد ركعاتها، لا يجب إلا في حالة الأمن دون الخوف، لذلك قال تعالى بعدها:

«فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا»

و«الراجل» هو الكائن على رجله ماشياً كان أو وافقاً.

و«الركبان» جمع راكب.

أي «فَإِنْ خِفْتُمْ»، من عدوّ أو غيره، «فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا»، حالان من ضمير خفتم، أي فصلّوا على أي حال، وبأي هيئة، تناسب حالة الخوف التي أنتم فيها، حتى لو اكتفيتم بالإيماء النائب عن الركوع، والإيماء النائب عن السجود.

سادسًا:

فإذا زال الخوف، وأمنتم «فَإِذَا أَمِنتُمْ»، إذن «فَاذْكُرُوا اللَّهَ»، أي فصلّوا الصلاة التامة التي كنتم عليها قبل حالة الخوف، وعبر عنها بـ «الذكر» لأنه يشمل معظم أركان «الصلاة».

ثم تدبر قوله تعالى بعدها، في سياق الأمر بالمحافظة على إقام الصلاة:

«كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»

والسؤال:

أين ومتى علمنا الله تعالى معنى الصلاة، وكيفية أدائها، وعددها، وعدد ركعاتها، وكيفية المحافظة عليها، وعلاقة «المساجد» بها، كل هذه المسائل التي جاءت الآية لبيان رخصة التخفيف منها في حالة الخوف؟!

كما أهديت المنشور السابق لأعضاء «منظمة الإلحاد الإسلامي»، أهدي أيضا هذا المنشور، مع التحفظ عن ذكر أسمائهم، حتى لا أسود المنشور بها.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى