«الآيات» هي الحد الفاصل بين «الإسلام» والكفر
أولًا: كيف نعبد «إلهًا» لم نره؟!
لقد خلق الله البشر في «عالم الشهادة»، وزودهم بوسائل الإدراك والإمكانيات التي تمكنهم من التعامل مع هذا العالم، وأرسل الرسل يبلغونهم رسالات ربهم، ويُبيّنون لهم أن الإيمان بـ «عالم الغيب» هو أول طريق الإيمان بوجود الله.
إن الذات الإلهية من «عالم الغيب»، يستحيل أن يراها أحد، والذين آمنوا بالله ورسله، آمنوا على أساس «البراهين» الدالة على «الذات الإلهية»، وهي ما نسميه بـ «دلائل الوحدانية».
ولذلك عندما طلب موسى من ربه أن يراه، بيّن الله له بصورة عملية كيف أن «الذات الإلهية» لا ترى، لأنها من «عالم الغيب»، وإنما الذي يمكن رؤيته هو البراهين الدالة على وجود الله، وفعالية «أسمائه الحسنى»، فتدبر:
* «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ»
* «قَالَ لَنْ تَرَانِي»
* «وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي»
* «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً»
* «فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»
تدبر قول موسى، عليه السلام:
«سُبْحَانَكَ»: التنزيه المطلق
«تُبْتُ إِلَيْكَ»: التوبة في مقام التنزيه
«وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»: الإيمان في مقام الإقرار بالوحدانية
إن «الآيات» الدالة على «الوحدانية» هي أول الطريق إلى معرفة الله، قال تعالي:
«سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»
وعلى المكذب بوجود الله، أن يتعامل مع فعالية أسماء الله الحسنى المدركة في عالم الشهادة، فإن استطاع إسقاطها من قواعدها، فقد صدق في ادعائه عدم وجود الله.
ثانيًا:
وكيف نؤمن بـ «رسول» لم نره؟!
وكما آمنا بالله على أساس التصديق بـ «دلائل وحدانيته»، نؤمن بالرسول على أساس التصديق بـ «دلائل نبوته»، فما هي دلائل صدق «نبوة» رسول الله محمد؟!
لقد نقلت لنا «منظومة التواصل المعرفي» أن الناس دخلوا في «دين الإسلام»، من لدن آدم، عليه السلام، وحتى بعثة النبي الخاتم محمد، على أساس «الآيات الحسية» التي أيد الله بها رسله.
ثم بعث الله رسوله محمدًا، وأيده بـ «آية قرآنية عقلية»، تراها القلوب بآليات التفكر والتعقل والتدبر..، قائمة بين الناس إلى يوم الدين، ولم يؤيده بـ «آيات حسية» تنتهي فعاليتها بموته.
لقد جعل الله البرهان على صدق «نبوة» رسوله محمد، «آية قرآنية» قائمة بين الناس إلى يوم الدين، وهذا معناه أننا نرى رسول الله يبلغ رسالته كلما قرأنا القرآن
أو سمعناه، لأن الله تعالى يقول:
* «وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ»
* «قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»
* «أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ»
* «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
إن «الذكرى» لا تكون «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» إلا إذا أدركوا أن رسول الله بينهم، يقيم معهم الشهادة على الناس، ويُخرجونهم من الظلمات إلى النور، «أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ»، فأين هم اليوم؟!
لقد غاب عنهم «الرسول» يوم اتخذوا القرآن مهجورًا، كما فعل قومه معه في عصر التنزيل:
«وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً»
فوصفهم الله بـ «المجرمين»:
«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً»
إن «المجرمين» هم أعداء «النبوة»، هم أعداء «الآيات» الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا، وأشركوا مع «الآيات» المرويات!!
هم الذين يظنون أن عودة المسلمين إلى «دين الإسلام» يمكن أن تتحقق إذا قامت المؤسسة الدينية الرسمية للفرقة التي ولدوا فيها بتنقية أمهات كتبها!!
«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ»
ثالثًا:
وكيف نتبع «كتابًا» لم ينزل في عصرنا؟!
لقد حمل كتاب الله الخاتم في ذاته «الآية القرآنية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، وهذه «الآية» ليست هي الكلمات المدونة في المصحف، فـ «الكلمة» وحدها لا قيمة معرفية لها بمعزل عن «مُسمّاها» ومقابلها الكوني في الآفاق والأنفس.
ومن الآيات المتعلقة بمعاصرة كتاب الله الخاتم لكل العصور، باعتبار عطاءات كلمات «آيته القرآنية» التي لا تنفد، يقول الله تعالى:
* «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً»
* «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
فإذا آمن المرء بـ «الآية القرآنية»، وعطاءات كلماتها المعاصرة له، فقد آمن بصدق الله الذي أنزل الكتاب، وصدق الرسول الذي بلغ الكتاب، ويكون الكتاب منزلًا في عصره، وعلى هذا الأساس يدخل في «دين الإسلام»، الذي لن يقبل الله طريقا إليه غير طريق «آيته القرآنية».
محمد السعيد مشتهري