ماذا يفعل «القرآنيّون» عندما «يشهد» القرآن بـ «الوحي الثاني»؟!
إن غياب منهج «التأصيل العلمي» عن معظم أصحاب المشاريع الفكرية المستنيرة، التي ظهرت كرد فعل للمشروع السلفي، جعلهم يتخبطون في أفكارهم الدينية، فلا نجد لهم منشورًا يحمل قيمة علمية بميزان الدين الذي ارتضاه الله للناس.
ولقد كشفت المنشورات الأخيرة، وخاصة ما يتعلق منها بفريضة الصلاة، عن أزمة «الجهل»، و«الاتباع» بغير علم، التي تشربتها قلوب القرآنيّين، والعصريّين، والمستنيرين.
نعم، كان هناك وحيٌ غير الوحي القرآني، وكلامٌ بين الله ورسوله، بطريقة من طرق الكلام التي أشارت إليها الآيات «٥١-٥٢» من سورة الشورى.
وهنا علينا أن ننظر إلى موضوع هذا «الوحي الثاني»، وهل هو خاص بعصر التنزيل، أم بأحكام قرآنية مجملة، حملتها نصوص «الآية القرآنية»، ونزل هذا الوحي الثاني لبيان كيفية أدائها؟!
فتعالوا نضرب بعض الأمثلة، ونقف على موضوعها.
١- يقول الله تعالى في سورة «آل عمران/١٢٤»:
«إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ»
* الموضوع: وحي «غير قرآني» يتعلق بعصر التنزيل.
فقد أخبر الله رسوله بموضوع هذا المدد بوحي «غير قرآني»، وبلغ الرسول المؤمنين، ثم نزل بهذا الخبر وحي «قرآني».
٢- يقول الله تعالى في سورة «الأنفال/٧»:
«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ»
* الموضوع: وحي «غير قرآني» يتعلق بعصر التنزيل.
لقد وعد الله رسوله أن يكون مصير إحدى الطائفتين لهم، وكان هذا بوحي «غير قرآني»، ثم بلغ الرسول صحابته بهذا الوعد، وأن النصر سيكون لهم.
٣- يقول الله تعالى في سورة «التوبة/٤٠»:
«إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»
* الموضوع: وحي «غير قرآني» يتعلق بعصر التنزيل.
عندما نسمع قول الله تعالى:
«إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»
هل هناك عاقل لا يفهم من ذلك أن هناك كلامًا كثيرًا حدث بين الله ورسوله خلال هذه الرحلة ولم ينزل به قرآن؟!
فإذا حكى رسول الله وصحبه للناس قصة هذه الرحلة، بما في ذلك ما أوحاه الله إلى رسوله خلالها، أليس هذا بوحي «غير قرآني»؟!
فإذا ذهبنا إلى كلمة «الْغَار»، فهل بيّن القرآن معنى هذه الكلمة، وأين يقع هذا «الْغَار» الذي اختفى فيه رسول الله وصحبه؟!
إذن فكيف «يبين القرآن نفسه بنفسه» يا أهل الضلال؟!
٤- يقول الله تعالى في سورة «الإسراء/٦٠»:
«وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ..»
* الموضوع: وحي «غير قرآني» يتعلق بعصر التنزيل.
فقد بدأ الله سورة الإسراء بقوله تعالى:
«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا..»
ولا شك أن رسول الله أخبر صحابته بما رآه في هذا الإسراء، وسمع المشركون بالخبر، وطبعا لم يصدّقوه، وكان لهم فتنة، لأنهم لم يؤمنوا أصلًا بصدق «النبوة»، القائمة على صدق «الآية القرآنية» التي أمامهم.
٥- يقول الله تعالى في سورة «الفتح/٢٧»:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً»
* الموضوع: وحي «غير قرآني» يتعلق بعصر التنزيل.
لقد جعل الله هذه الرُّؤْيَا برهانًا قرآنيًا على صدق «نبوة» رسول الله محمد، واستبشر بها المؤمنون لما بلغهم النبي بها.
أما المكذبون والمنافقون فقد طعنوا فيها عندما تأخر تحققها، وقالوا فأين الرُّؤْيَا؟! ثم تحققت، ودخلوا المسجد الحرام «آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ».
٦- يقول الله تعالى في سورة «النجم/ ٨-١٢»:
«ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى»
تدبر قوله تعالى:
«فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى»
ثم قوله تعالى «الآية ١٨»:
«لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى»
* الموضوع: وحي «غير قرآني» يتعلق بعصر التنزيل.
النبي يُبلغ صحابته ما أوحاه الله إليه وما رآه، وسمع المشركون ذلك وكذبوه، «أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى».
٧- يقول الله تعالى في سورة «التحريم/٣»:
«وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ»
* الموضوع: وحي «غير قرآني» يتعلق بعصر التنزيل.
فهل نزل وحي «قرآني» بتفاصيل هذه القصة، وبهذا الإنباء «قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ»؟!
٨- يقول الله تعالى في سورة «البينة/٥»:
«وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»
* الموضوع: وحي «غير قرآني»، يتعلق بـ «أحكام القرآن» القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
والسؤال:
كيف يضع الله تعالى فريضة «إقام الصلاة» في هذا السياق، الذي يحمل كل معاني «الوحدانية»، و«الدين القيم»، ثم يترك المؤمنين يبتدعون لها هيئات، وتصورات، كلٌ حسب درجة إلحاده في الآيات؟!
إن القرآن لم يأت ببيان معنى كلمة «الصلاة»، ولا معنى «أقيموا الصلاة»، ولا كيفية أداء «القيام والركوع والسجود» ولا معنى المسجد، ولا أين يقع «المسجد الحرام» الذي كان يصلي فيه الرسول والذين آمنوا معه، فماذا يعني كل هذا؟!
الجواب:
أما أن تؤمن بحجية «منظومة التواصل المعرفي»، أو تكفر بالقرآن كله، لسبب منطقي وهو:
أن الذي أنزل هذا القرآن، جاء بكلمات «أسماء وأفعال وحروف» ونسي أن يُرفق به صورًا لـ «مُسمّيات» هذه الكلمات، ولكيفية أداء الأفعال؟!
فيا أيها القرآنيّون، لا تضحكوا على أنفسكم، وعلى المعجبين بجهلكم، وتقولون إن القرآن يُبيّن نفسه بنفسه!!
أفيقوا من «غيبوبتكم»، واخلعوا ثوب «الهوس الديني»، لأنكم ضالّون مضلّون.
محمد السعيد مشتهري