لقد تعَلّمَ آدم، عليه السلام، الأسماء كلها ليقوم وذريته بالخلافة في الأرض على خير وجه: “وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة 31]. فلا علم من غير تعلم، ولا تعلم من غير أسماء تدل على المسميات، ولا يمكن التعبير عن هذه المسميات إلا إذا كانت لها صور ذهنية في قلب الإنسان. لذلك عجز الملائكة عن معرفة أسماء لم تتكون عندهم صور ذهنية لها: “قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [32] البقرة. ولقد تواصلت ذرية آدم، وعلم الآباء الأبناء، وتعارفت الشعوب والقبائل من خلال تفاعل الألسن المختلفة. ولقد جعل الله تعالى هذا التفاعل اللساني آية من آياته الكونية: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [22] الروم
ويتعلم الإنسان لسان قومه من البيئة التي ولد فيها، ومن مدرسته..، فإذا به يقرأ ويكتب بالقلم كما تعلم، وذلك قبل أن يعرف ربه، أو رسوله، أو الكتاب الذي أُنزل على رسوله: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [1] خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [2] اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ [3] الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [4] عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [5] العلق. لقد خلق الله الإنسان بإمكانات تجعله قادرا على وضع الأسماء والعلامات والرموز، كوسيلة للتخاطب والتفاهم وتدوين العلوم: “وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [78]النحل. ولقد أنعم الله تعالى على الإنسان بنعمة “البيان”، للتعبير عما في قلبه من أفكار ومشاعر، وأن ينقل ذلك إلى الآخرين: “الرَّحْمَنُ [1] عَلَّمَ الْقُرْآنَ [2] خَلَقَ الإِنسَانَ [3] عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [4] الرحمن
لقد سبق لسان القوم بعثة الأنبياء، ونزلت الرسالات الإلهية تخاطب كل نبي بلسان قومه: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [4] إبراهيم. لذلك يستحيل أن يتمكن أي إنسان من قراءة القرآن دون أن يسبق ذلك تعلم أبجديات اللغة العربية ليستطيع التعامل مع لسان القرآن، اللسان العربي. لقد فهم العرب كلمات القرآن، لسابق تعلمهم اللسان العربي الذي نزل به، والأعجمي الذي يقرأ ترجمة القرآن هو في الحقيقة لا يتعامل مع “النص القرآني” وإنما مع ترجمة لكلماته، لذلك لن يستطيع تدبره، ولا التعبد به!!
إن الذين يدّعون أنهم يتعاملون مع القرآن دون الاستعانة بأي مصدر خارجي، هؤلاء واهمون، متناقضون، نقلوا عن غيرهم فكرة “القرآن وكفى” دون تعقل، لأن المدخل الرئيس لقراءة القرآن، وهو اللغة العربية، يتعلمه المرء من مصدر خارج القرآن، هذا بالإضافة إلى أدوات أخرى يستحيل فهم القرآن وتدبر آياته بدونها!!
* الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [1] إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [2] يوسف