نحو إسلام الرسول

(867) 28/8/2017 دفاعاً عن القرآن (15)

هل «تُسلّم» أمرك لمن لم «تؤمن» به، ولم «تأمنه»؟!

نعم، في حالة واحدة، إذا كنت من أتباع المفكر الإسلامي «محمد شحرور»، لأن هذه ثمرة من ثمار شجرة قراءاته «الإلحادية» المعاصرة للقرآن.

يقول «محمد شحرور» تحت عنوان «الإسلام والمسلمون»:

نعود إلى التنزيل الحكيم، ونحن متفقون على أنه صادق خال من الحشو، لنقرأ فيه:

«إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ»

«أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ»

«قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ»

ثم ذكر الآيات التي شهد فيها «الجن وإبراهيم ويعقوب والأسباط ويوسف وسحرة فرعون والحواريون ونوحاً ولوطاً» بأنهم كانوا من المسلمين، وأن فرعون عندما أدركه الغرق قال إنه من المسلمين، وعليه خرج بهذه النتائج:

أولا:

يقول: «إن الإسلام شيء والإيمان شيء آخر»

أقول: لا شك في ذلك، إذا اجتمعا في نص واحد.

وعندما قلت إن «الإيمان والإسلام» إذا افترقا فإن كل منهما يحمل معنى الآخر، فهذا لا يعني القول بالترادف، بمعنى أن «الإيمان والإسلام» اسمان لمسمى واحد، وإنما يعنى أن «الإيمان والإسلام» لا ينفك أحدهما عن الآخر، فهما متلازمان، فتدبر قوله تعالى:

«فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ (الْمُؤْمِنِينَ) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ (الْمُسْلِمِينَ)»

لقد أوحى الله لنبيه لوط، عليه السلام، أن يترك هو وأهله «المؤمنون» قريته، فقال تعالى:

«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ..»

فماذا يعني قوله تعالى:

«فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ»

وهم أنفسهم «المؤمنون» الذين قال الله فيهم:

«فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ (الْمُؤْمِنِينَ)»

يعني أن الذين نجاهم الله كانوا «مؤمنين» إيمانًا صادقَا بما جاء به لوط عليه السلام، أي بأصول «الإيمان»، وسلّموا لأحكام شريعته «تسليما»، خضوعًا وانقيادًا، فكانوا «مسلمين».

وهذا ما لم يفهمه المفكر الإسلامي «محمد شحرور» عندما وجد أن أحكام الشريعة يخاطب الله بها «المؤمنين»، كقوله تعالى:

«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا»

فأقام تعريفه لـ «الإيمان» على هذا الأساس، دون تحقيق ودراسة لمفهوم «الإيمان» في السياق القرآني، وأنه يجب أن تكون من صفات المؤمنين الاستسلام والطاعة لله وحده لا شريك له، ولأحكام شريعته، قولا وعملا: «أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا».

ثانيا:

يقول: «إن الإسلام متقدم على الإيمان سابق له»

أقول:

١- لا يقول هذا الكلام إلا من لا علم له بـ «السياق القرآني»، وبأصول المنطق، ألم يقرأ يومًا قوله تعالى:

«إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ»؟!

لقد سبق «الإيمان» بالآيات «الإسلام» والتسليم بمقتضياتها، ذلك أن «الإسلام» معناه تسليم الذين أسلموا، وانقيادهم للشريعة الإلهية التي حملها الرسل، فهل يُعقل أن يُسلّم «المسلمون» لهذه الأحكام «تسليمًا» دون أن يكونوا قد آمنوا:

«بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ»

وأنهم أقاموا إيمانهم على أساس «الآيات الحسية» التي أيد الله بها الرسل؟!

إنه يستحيل أن يوجد «إسلام» صادق بلا «إيمان» صادق، أي «تسليم» وانقياد لأوامر الله تعالى، قائم على التصديق والإقرار بـ «الوحدانية»، وصدق «النبوة»..، إلى آخر أصول «الإيمان».

٢- إن من الآيات التي ذكرها «محمد شحرور» ضمن البراهين الدالة على أن «الإسلام سابق للإيمان»، قوله تعالى:

«قَالَتْ الأَعْرَابُ (آمَنَّا) قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا (أَسْلَمْنَا) وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ»

واللافت للنظر، أن هذه «الآية» برهان قطعي الدلالة على أن «الإيمان» يسبق «الإسلام»، وليس العكس، وأنه يعني إقرار القلب وتصديقه بأصول الإيمان، الأمر الذي يستحيل أن يتحقق في قلب المنافق، لذلك قال تعالى: «قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا»، أي لم تصدق قلوبكم!!

ولما كان «الإسلام» تسليمًا وانقيادًا لأحكام الشريعة الإلهية، «قولا وعملا» في واقع الحياة، الأمر الذي كان يتقنه «المنافقون»، قال تعالى:

«وَلَكِنْ قُولُوا (أَسْلَمْنَا) وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ»

أي أنكم لم تقيموا «إسلامكم» على «الإيمان» الصادق، بل ولم يدخل أصلا «الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ»، لذلك لم يقل لهم «وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْتم»، لأن هذا معناه شهادة من الله بتلازم إسلامهم مع إيمانهم، الأمر الذي نفاه الله تعالى أصلا!!

إن الدارس لكتاب الله، المتدبر لآياته، يعلم أن الالتزام بـ «دين الإسلام» مراتب، تبدأ بـ «الإيمان»، ثم «الإسلام»، ثم «الإحسان».

فمن وصل إلى «الإحسان» فقد حقق «الإسلام» الذي قبله، وكذلك «الإيمان»، ثم يقف «الإسلام» بين «الإيمان» و«الإحسان» يشير إلى صدقهما، فليس كل مسلم «مؤمنًا»، ولا «محسنًا».

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى