هل «الإيمان» هو «الإسلام»؟!
إذا اجتمع «الإيمان والإسلام» في نص قرآني واحد، فإن لكل واحد منهما معنى يختص به:
أولا: «الإيمان»
* ما عقد القلب على «تصديقه»، وهو «الأصول الخمسة» التي قام عليها «دين الله تعالى»:
«اللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ»
* العمل بـ «مقتضياتها»
ثانيا: «الإسلام»
هو «الصورة العملية» لما عقد القلب على «تصديقه»، والعمل بمقتضياته، من طاعة الله في شريعته، وطاعة رسوله في تنفيذ شريعة الله.
«فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»
ثالثا:
مثال لاجتماع «الإسلام والإيمان»، يقول الله تعالى:
«قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا، قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا، وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا، وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ»
لقد نفى الله عن الأعراب «الإيمان»، وأثبت لهم «الإسلام»، فدل ذلك على أنهم «مسلمون»، وليسوا «مؤمنين».
نفهم من ذلك أن:
* «كل مؤمن مسلم»:
فمن أقر بأصول «الإيمان»، ورسخت في قلبه، ستعمل جميع جوارحه بمقتضيات هذا الإقرار، ونراه ملتزمًا بأحكام القرآن.
* وليس «كل مسلم مؤمناً»: فقد يكون الإيمان «وراثيًا»، أو «نفاقًا»، أو «ضعيفاً»، فلا تتفاعل معه جوارح الإنسان، فيكون مسلماً، وليس بمؤمن.
رابعا:
مثال لافتراق «الإسلام والإيمان»
إذا جاء كل واحد منهما في نص مستقل، فكل منهما يحمل معنى الآخر.
تعالوا نتدبر هذا السياق القرآني من سورة آل عمران، الذي يدعو الله فيه «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» إلى الدخول في «دين الإسلام» الذي جاء به رسول الله محمد:
«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»
ثم ماذا قال الله بعدها:
«فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»
فما معنى «أَأَسْلَمْتُمْ»، وما معنى «فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا»؟!
هل معنى هذا أنهم يدخلون في «دين الإسلام» دون «الإيمان» بأصوله؟! إنهم إن فعلوا كانوا من «المنافقين»، وإنما المقصود أنهم يدخلون في دين الإسلام «ملة وشريعة»، إيمانًا وتسليمًا.
خامسا:
وفي نفس السياق، وكشف الله حقيقة ما كان عليه أتباع «الملل والنحل» في عصر التنزيل، وكيف أن الله دعاهم جميعًا إلى الدخول في «دين الإسلام» الذي جاء به «النبي محمد»، ذكر الله الميثاق الذي أخذه على جميع الأنبياء، فماذا كان موضوع هذا الميثاق؟!
«وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ»
إنه الميثاق الذي أخذه الله على «النبيّين»، والذي من المفترض أن يعلمه أتباعهم، وهو التبشير ببعثة «النبي محمد»، الذي يأمرهم بالإيمان به ونصرته واتباع كتابه، «طبعا المقصود أممهم»، وقد أقرّوا بذلك، «قَالُوا أَقْرَرْنَا»، وشهد الله تعالى معهم: «قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ»
وما جزاء الذين كفروا بـ «النبي محمد»، ولم يتبعوا كتابه؟!
«فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»
مما لا شك فيه أن الذين تولوا ليسوا «الأنبياء»، وإنما أممهم، الذين نزلت الآيات تخاطبهم في عصر التنزيل، الذين كفروا من أهل الكتاب، وقال الله لهم بعدها:
«أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»
إنه «دين الإسلام» الذي جاء به «النبي محمد»، وكان الإيمان به واتباعه شرطًا لدخول الجنة، فقال تعالى بعدها:
«قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»
لقد جمعت الآية «الإيمان»، و«الإسلام» في سياق واحد، لبيان أن إسلام الوجه لله تعالى، والتسليم والخضوع لأوامره، يستحيل أن يأتي قبل الإقرار بأصول «الإيمان»، كما يدعي «محمد شحرور»!!
ثم بيّن الله جزاء كل من تولى عن «دين الإسلام» الذي جاء به «النبي محمد»، فقال تعالى:
«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ. كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
وبرهان ذلك في الإجابة على هذا السؤال:
سادسا:
من هم الذين «كفروا» بعد أن شهدوا أن الرسول حق؟!
إنهم أتباع «الملل والنحل» الذين كانوا موجودين في عصر التنزيل، وكان هذا هو مصيرهم:
«أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ»
إنه المصير الذي ينتظر كل الذين أفتوا بـ «إسلام» من لم يدخلوا «دين الإسلام» الذي جاء بـ «النبي محمد»، وأضلوا الناس بجهلهم، بدعوى أن الله تعالى قال:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
إن هذه المقدمة التمهيدية قطرة في كأس «العشوائية الفكرية» التي قامت عليها «القراءات المعاصرة»، التي يسعد بها «المئات» من الذين «مما لا شك فيه أنهم» لا يعلمون!!
محمد السعيد مشتهري