«أَهْل الْكِتَاب» = «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ» + «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»
أعلم أن من الأصدقاء من يريدون «الخلاصة»، وماذا سأقول في الآية «٥» من سورة المائدة:
«الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ.. وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»
إن هذه الآية يستند إليها «السلفيون»، وأتباع القراءات «القرآنية والعصرية والتنويرية»، في إباحة زواج المسلم بمن يُسمّونها «الكتابية».
فإذا قمت بذكر هذه «الخلاصة» في جملة، أعلم أنها لن تزيد عن سطر واحد، سيسألون: وماذا عن كذا..، فإذا أجبتهم عن كذا، سألوا: وماذا عن كذا وكذا..، إلى آخر الجدل العقيم الذي نراه في طريقتهم ومنهجهم العشوائي، عند التعليق على منشورات الآخرين.
من السهل جدا أن تعرف الفرق بين أهل الكتاب، والذين آتيناهم الكتاب، والذين أوتوا الكتاب، وكذلك حكم زواج المسلم من «الكتابية» عن طريق «شبكة الإنترنت»، وفي خمس دقائق.
ولكن السؤال:
ماذا تحمل من «علم»، وما هي «أدوات» فهم القرآن واستنباط أحكامه، التي تجعلك أهلا لمعرفة ما إذا كان المنشور على «الشبكة» حقًا أم باطلًا؟!
وإياك أن تقول: بالعقل والمنطق!!
فكيف تفهم الفرق بين الفعل المبني للمجهول، والفعل المبني للمعلوم، ومتى يُستخدم كل منهما، في السياق القرآني؟!
ثم ما هي «الأدوات» التي ستفهم بها القرآن، للوصول إلى نتائج الدراسة، من خلال «علم السياق»؟!
أولا:
* «لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ»
* «رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً»
* «فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ»
إن «الذين آمنوا» في عصر الرسالة كانوا من:
أهل الكتاب: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ» ـ «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»
أو كانوا من «المشركين»
وأصبحت ملة الكفر هي:
«الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ»
ثم خاطب الله «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» بما يدّعون أنهم يتبعونه، أي «كتابهم»، وأنهم تفرقوا واختلفوا على «نبوة» رسول الله محمد، من بعد ما جاء بما بشرت به كتبهم:
* «وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ»
* «وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»
ثم بيّن الله مصير «ملة الكفر» التي كانت موجودة في عصر الرسالة في مواجهة «ملة الإسلام»، فقال تعالى:
* «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ»
فهل يُعقل أن يُحل الله بعد ذلك زواج أتباع «ملة الإسلام» بغيرهم؟!
ثانيا:
إن الوقوف على من هم الذين آتاهم الله الكتاب «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ»، أمرٌ سهلٌ ميسرٌ، فقد ورد ذكرهم في سياق المدح، في «تسع آيات»، باعتبارهم الذين تمسّكوا بشريعة رسلهم، وكانوا في انتظار بعثة النبي الخاتم محمد، فلما بُعث آمنوا به.
لذلك نسب الله «الإيتاء» إلى نفسه «آتَيْنَاهُمْ»، وجاء الفعل «مبنيًا للمعلوم»، إشارة إلى صلاح هذه الطائفة وتكريم الله لها، لأنهم كانوا «أهل علم»، وصفهم الله تعالى بقوله:
* «قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا»
– أي بالقرآن
* «إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ»
– أي من قبل القرآن
* «إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً. وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً. وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً»
أما قوله تعالى «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، فقد جاء الفعل مبنيًا للمجهول، لبيان أنهم ورثوا الكتاب عن آبائهم، دون حفظ الله له، وحرّفوا وبدّلوا فيه، فضلّوا صراط ربهم المستقيم.
ثالثا:
لقد ذكر الله «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» في سياق الذم، وبيان ضلالاتهم وانحرافهم عن «كتاب الله» الذي يدّعون أنهم يحملونه ويتبعونه، فقال تعالى:
١- «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ»
٢- «وَلَئِنْ أَتَيْتَ (الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ) بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ»
٣- «يَا أَيُّهَا (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً»
ثم تدبر ماذا قال الله بعدها:
«إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً»
وهناك فريق «مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، وهم «الأكثرية»، كانوا يسعون في الأرض فسادًا، فنبه الله المؤمنين وحذرهم من هؤلاء بقوله تعالى:
١- «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)»
٢- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ»
٣- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ»
ونلاحظ هنا إضافة لفظ جديد إلى «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، وهو «مِنْ قَبْلِكُمْ»، إشارة إلى «اليهود والنصارى» الذين يدّعون أنهم أولياء الله، الحاملون شريعته، في الوقت الذي لم يرد فيه ذكرهم إلا في سياق الذم.
ولقد خصهم الله بالذكر، مع أنهم مندرجون في عموم «وَالْكُفَّارَ»، الذين ورد ذكرهم في السياق، إشارة إلى أنهم يختلفون عن الكفار المشركين بأنهم «مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»!!
٤- «قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»
إن قوله تعالى «مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» يُبيّن أن مسألة «الجزية» لا علاقة لها بـ «أهل الكتاب» عامة، ولا بـ «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، وإنما بفريق «مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، لم يكتفوا بالكفر بالنبي محمد وبكتابه، وذهبوا يحاربون الله وينتهكون حرمة شريعته.
وللموضوع بقية
محمد السعيد مشتهري