جدلية، «زوج» و«امرأة»، إلى أين؟!
عندما يضع دراس القرآن ومتدبر آياته، قاعدة أو نظرية قرآنية يقيم على أساسها بيان «الإعجاز العددي في القرآن»، ثم يتضح أن ما توصل إليه من نتائج، قد قام على الإحصاء العددي لكلمات القرآن حسب مصحف «حفص»، ولا تعطي المصاحف الثلاثة الباقية «ورش، قالون، الدوري» نفس النتائج، فإنها «العشوائية» بعينها.
وعندما يضع دراس القرآن ومتدبر آياته قاعدة تقول:
إن القرآن يُطلق لفظ «زوج» إذا كانت العلاقة بين الزوجين قائمة على التوافق الديني والنفسي، فإذا لم يتحقق ذلك أطلق عليها «امرأة»، وضربوا الأمثلة على ذلك، ثم يتضح باستقصاء الآيات أن هذه القاعدة ليست مطردة، فهناك كثير من الآيات لا تنطبق عليها، فإنها «العشوائية» بعينها.
أولا: نظام «الزوجية» نظام كوني
يُطلق لفظ «زوج»، على كل من اقترن بـ «مماثل له»، الذي لا يتم المقصود من خلقه ويكمل إلا به، ومن تمام وكمال الوجود البشري «زواج» الرجال من النساء:
«وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً»
لذلك لا يُقال للواحد «زَّوْج» إلا إذا كان معه مماثلا له من جنسه، فعندما نقول، في عالم البشر، «الزوجين»، فإننا نعني «الذكر والأنثى»:
«وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى»
وعندما يقول الله بالنسبة لعالم الحيوان:
«ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ… وَمِنْ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ»
فإن المقصود ثمانيةَ «أَفراد»، كل واحد منهما «زَوْجٌ»
وعندما نقول «زوجين» من «الجوارب» نعني بذلك الفردة اليمين التي هي «زوج» الشمال، والفردة الشمال التي هي «زوج» اليمين.
إذن «الزّوج» ثان لواحد، وكلّ من الاثنين يقال له «زَوْج»، باعتبار أنّه مضموم إلى ما هو من جنسه، يقول الله تعالى:
«وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ»
أي بُعثت وقُرِنَتْ بأجسادها وأَعمالها.
ومن هنا جاء قولنا الرجل «زوج» المرأة، والمرأة «زوج» الرجل.
ولكن يجب أن نعلم أن هذا القول صحيح في إطار «منظومة الزوجية»، كآية من آيات الله الكونية، وليس باعتباره مقابلا لـ «المرأة»، في دائرة «النكاح» الضيقة جدا، بالنسبة للمنظومة الكونية.
ثانيا:
لقد أنزل الله شريعته لتحكم تصرفات الناس، وتوجهها إلى ما فيه سعادتهم في الدارين، وحرّم «الزنى»، وأمر أن تُوظّف «آية الزواج»، التابعة للمنظومة الزوجية الكونية، في إطار أحكام شريعته، إن أراد «الزوجان» أن يعيشا في مودة ورحمة:
«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»
و«آية الزواج» ليست قاصرة على المؤمنين المسلمين، وإنما تشمل الناس جميعًا، فلا علاقة بين «ملة الزوجين»، وفعالية «آية الزواج»، فـ «الآية» قائمة بين الناس حتى لو قامت على «الزنى»، فإنها ستعمل ويأتي الذكور والإناث!!
لذلك علينا أن ننتبه، إلى أنه عندما يأتي السياق القرآني بكلمة «زوج» عند الحديث عن «العلاقة الزوجية»، فإن ذلك للفت نظر الزوجين إلى أصل هذه العلاقة، وأن المماثلة «خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ» يجب أن توظف التوظيف الصحيح كي يتحقق السكن:
«وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا».
أما عندما يأتي السياق القرآني بكلمة «امرأة» فإن ذلك باعتبار حقيقتها المقابلة لحقيقة الرجل، حيث تحكم الحقيقتين الطبيعة البشرية، والتحديات التي يواجهها «الزوجان»، سواء كانت مادية أو معنوية، عقدية أو أخلاقية.
ويمكننا القول:
إن «العلاقة الزوجية» إذا لم تقم على تماثل العقائد والأفكار، وتناغم المشاعر القلبية، يستحيل أن تُثمر مودة ورحمة، طبعا هذا بوجه عام، لأن أحكام القرآن نزلت تنظم الحياة الزوجية، وتضع لها الضوابط الحاكمة لها.
ثالثا:
لقد خرج «المفكرون الإسلاميون»، واتبعهم «المقلدون بغير علم»، بتأويلات متعسفة للآيات القرآنية، لا لشيء إلا أنهم يصرون على «العشوائية الفكرية»، فكلما وجدوا شبهة تنسف قاعدة «التماثل العقدي والنفسي» صححوا ما قالوه وأضافوا إليه كلمة..، ثم عندما وجدوا أن «القاعدة» مطلوب بيانها في عدة أسطر، اختصروها في هذه الجملة:
«يُقال امرأة إذا كانت العلاقة الزوجية لم تتحقّق في أتمّ صورها»
انظروا إلى هذه الجملة «الهلامية»: «لم تتحقّق في أتمّ صورها»!!
فتعالوا نرى كيف ستواجه هذه الجملة «الهلامية» الآيات التالية:
١- يقول الله تعالى
«وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ»
مما لا شك فيه، أن وراء هذا الاستبدال خلافًا كبيرًا بين الزوجين، قد أدى إلى اتخاذ الرجل قرار الطلاق، ومع ذلك استخدم القرآن كلمة «زوج» ولم يستخدم «امرأة»!!
٢- يقول الله تعالى:
«قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ (امْرَأَتِي) عَاقِراً»
ويقول تعالى:
«فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ (زَوْجَهُ)»
وهذا في سياق الحديث عن قصة زكريا، عليه السلام، فقالوا:
لقد استخدم زكريا كلمة امرأة، «وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً»، لوجود نقص في المرأة، وهو «العقم»، فلما أزال الله هذا «العُقم»، ورزقه الله بـ «يحيى»، سمّاها «زوجًا»!!
ولأنهم «عشوائيون» لم ينتبهوا إلى أن «العقم» أمرٌ خارج عن إرادة المرأة، ولا يُنقص منها شيئًا، لأن الله تعالي هو القائل:
«أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً»
كما لم ينتبهوا إلى أن قوله تعالى: «وَأَصْلَحْنَا لَهُ (زَوْجَهُ)» برهان قطعي الدلالة على أن القضية ليست كما ذهبوا في قاعدتهم العشوائية، فالله تعالى يشهد أن امرأة زكريا كانت «زوجًا» لزكريا قبل أن تحمل، وإلا لقال «وَأَصْلَحْنَا لَهُ امْرَأتَه».
إن استخدام «زوج» جاء لبيان أصل القضية القائمة على المفهوم الصحيح لـ «آية الزواج»، في هذا السياق المتعلق بآية من آيات الأنفس، «وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ» وليس كما نظر إليها زكريا من منظور الجنس المقابل للرجل «وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً».
٣- ويقول الله تعالى في سورة الممتحنة:
«وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ (أَزْوَاجِكُمْ) إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا»
لقد سمى الله الذين انفصمت عرى الزوجية بينهم «أزواجًا»، مع الاختلاف العقدي بين الزوجين، فقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن أحكام «المهور» التي دُفِعَت إلى النساء المؤمنات اللاتي «كفرن وهاجرن» إلى بلاد الكفار، وكذلك «المهور» التي دُفِعَت إلى النساء الكافرات اللاتي «آمن وهاجرن» إلى بلاد الإسلام.
لقد كان على دولة الإسلام، وعلى دولة الكفر، إعادة هذه «المهور» إلى أصحابها، ولكن الكافرين لا عهد لهم، فأمر الله المسلمين أن يأخذوا ما لهم من حق عند الكافرين، وذلك بعدم دفع مهور «المؤمنات اللاتي هاجرن إليهم»، لأزواجهن الكافرين الذين يعيشون في دولة الكفر.
والذي يهمنا بيانه في هذا السياق، أن القرآن استخدم في الحالتين لفظ «الزوج»، مع انقطاع العلاقة الزوجية والإيمانية تماما.
٤- ويقول الله تعالى في سورة النور:
«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ»
لقد سمى الله المتلاعنين «أزواجًا»، وسمى الذي ظاهر من زوجته «زوجاً»، مع انقطاع «العلاقة الزوجية» بالظهار، فقال تعالى في سورة المجادلة:
«قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي (زَوْجِهَا) وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ..»
٥- وسمى القرآن امرأة نوح، «زوجًا»، وكذلك امرأة لوط، في سياق الحديث عن إرسال الرسل، فقال تعالى:
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً»
ألم يكن «نوح ولوط»، عليهما السلام، رسلًا؟!
كما شمل لفظ «أزواج» النساء عامة، الكافرات والمؤمنات، فتدبر هذه الآيات:
* «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً»
* «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا»
* «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ»
فانظر وتدبر قوله تعالى:
«وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ»
أي أن القرآن يعتبر غير الصالحات «أزواجًا»، وهذه «لغة عربية»!!
٦- يقول الله تعالى:
«وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ»
أطلق عليهن القرآن «أزواج» مع انفصال عرى الزوجية تماما.
إن الأمثلة على تهافت ما وضعوه من قواعد التفريق بين «زوج» و«امرأة» كثيرة، لأنهم لم ينتبهوا إلى أن القضية ليست البحث عن «الفروق اللغوية»، وإنما في تأصيل القواعد التي تقوم عليها «الكلمة القرآنية» في سياقها القرآني، وما يُظنّ أنها فروق!!
محمد السعيد مشتهري