«وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى»
إن الناس جميعًا، «ذكورًا وإناثًا»، أمام الالتزام بأحكام الشريعة الإلهية الخاتمة سواء، هذه «الأحكام» التي حملتها نصوص «الآية القرآنية»، الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين.
إن الناس أحرارٌ في الإيمان بنصوص هذه «الآية القرآنية» أو الكفر بها، أما «الذين آمنوا» فليسوا أحرارًا في الالتزام أو عدم الالتزام بأحكامها، ذلك أن الإيمان «تصديق» القلب و«عمل» الجوارح، والمنافق يعمل بجوارحه ولم يصدّق قلبه.
ولقد خص الله تعالى «المؤمنين» بأحكام لم يلزم بها «المؤمنات»، كأحكام القتال في سبيل الله، وخص «المؤمنات» بأحكام لم يأمر «المؤمنين» بفعلها، ومن ذلك «لباس المرأة»، وإبداء زينتها.
ولقد اتضح الفرق في تخصيص الأحكام بين الرجال والنساء في منظومة «المواريث»، ولسنا في مقام شرح أحكام المواريث، وإنما في مقام بيان أن حكم الله هو أن «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ».
إن الذي لم يدخل الإسلام بعد، يقول ما شاء أن يقول في هذا الحكم، أما من دخل الإسلام، أو ادعى دخوله، فليس من حقه رفض هذا الحكم، وإلا كان «فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ»، ومن هؤلاء كل الذين يحملون أسماء المسلمين، ومنهم من يلبسن غطاء الشعر، ويقولون:
«من حق الأنثى أن ترث مثل الذكر»، و«من حق الإنسان أن يختار شريك حياته، وأن على الحكومات إباحة زواج المثليّين»
طبعا كل واحد حر في اختيار الشيطان «الشيطانة» الذي يشاركه حياته!!
تعالوا نتعرف على جانب من حياة امرأة «صالحة»، كان «صلاحها» سببًا في أن تلد امرأة، وكان «صلاح» هذه المرأة سببًا في أن تلد «صالحا» من غير أب.
لقد كانت «امْرَأَةُ عِمْرَانَ» ترجو وتقدر أن تلد «ذكرًا»، ولذلك نذرت ما في بطْنِها «مُحَرَّراً» لسِدَانَةِ «أي خدمة» مكان العبادة.
«فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى»
فجاءت ولادة «مريم» عكس ما نذرت «امْرَأَةُ عِمْرَانَ»، فإمكانيات «الأنثى» في السِدَانَةِ ليست كـ «الذكر».
وطبعا كان الله يعلم أن «امْرَأَةُ عِمْرَانَ» ستضع «أنثى»، لحكمة لم يكن يعلمها إلا الله، وهي «آية» ولادة عيسى، فأراد الله أن يخبرنا بهذه الحقيقة، «بجملة اعتراضية»، قبل استكمال كلامها، فقال تعالى:
«وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ»
ثم استكمل كلامها فقالت:
«وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى»
إنها تقصد الفوارق التي يعلمها الناس جميعًا، وخاصة الجسدية، وما يتعلق بفترة «الحيض» وعوارض النساء، وتأثير ذلك على السَدَانَةِ، أي على خدمة مكان العبادة.
إن الناس جميعًا يعلمون أن الذكر ليس كالأنثى، إذن فـ «مريم» لا تقصد الاختلاف الشكلي بينهما، وإنما تقصد «الفروق البيولوجية»، التي يعلمها الناس جميعًا، منذ خلق الله الوجود البشري.
كما نلاحظ أنها قالت «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى»، مع أن السياق يقتضي أن تقول «وليست الأنْثَى كالذَّكَر»، فتجعل النفي متعلقا بما حدث، «أي بالأنْثَى التي وضعتها» التي لم تحقق أمنيتها، فنطق لسانها بحقيقة ما في قلبها، فقدّمت «الذَّكَر».
فلما وضعتها «أنثى»، وهبتها للسِدَانَةِ، وعقبت بقولها: «وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ»، وكلمة «مَرْيَمَ» في لغة القوم تعني «العابدة»، فأرادت أن يكون عملها في السِدَانَةِ مطابقًا لاسمها، ثم قالت:
«وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»
إنه يستحيل شرعًا وعقلًا مساواة المرأة بالرجل، فالرجل «جنس» له طبيعته ونظام حركته في الحياة، والمرأة «جنس» لها طبيعتها ونظام حركتها في الحياة، وعلى هذا الأساس أنزل الله تعالى أحكام شريعته.
محمد السعيد مشتهري