ومن «صيغ النهي» في القرآن
أولا: السياق الخبري
قد يأتي السياق حاملا «خبرًا»، وهذا الخبر يُفهم منه النهي والتحريم، وإن لم ينص على التحريم، كقوله تعالى:
«وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً..»
فقد جاءت جملة «لا تَعْبُدُونَ» في سياق خبري، لذلك جاءت كلمة «تَعْبُدُونَ» بنون الفعل، وليس بصيغة النهي «لا تعبدوا»، إلا أننا نفهم «ضمنيًا» أن المراد النهي عن الشرك وتحريمه، مع أن السياق لا يحمل أي إشارة صريحة للتحريم.
وكذلك قوله تعالى:
«الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ»
فهذا سياق خبري، يخبرنا الله فيه بأن «الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً..»، إلا أننا نفهم من هذا السياق «تحريم» نكاح الزاني والزانية، مع عدم وجود نص صريح على التحريم.
ثانيا: صيغة «ما كان»، كقوله تعالى
«مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ»
«مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ»
«مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ»
«مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ»
وهذه الصيغ، وإن كانت صيغ «نفي»، إلا أنها تفيد «النهي» و«التحريم»، دون أن يأتي السياق بلفظ صريح على التحريم.
إنني أدعو أصحاب القراءات القرآنية الشاذة، إلى تدبر قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ»
لقد شهدت موضوعات هذه الصفحة، بل ويمكن أن أقول إنها تخصصت، في الرد على معظم الشبهات التي يثيرها أصحاب هذه القراءات الشاذة، التي يذهب ضحيتها التابعون «المساكين» علميًا.
ولكن لماذا لم يتوبوا عن «هوسهم الديني»، وإلحادهم في الآيات القرآنية؟!
الجواب:
«إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ»
ولذلك قال تعالى بعدها:
«فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»
لقد كفروا بـ «اللغة العربية» وبعلومها، وبـ «منظومة التواصل المعرفي»، لذلك «ألحدوا في الآيات القرآنية».
فهل يُعقل أن تأتي كلمة واحدة بتحريم الخمر وهي كلمة «إنما»، ثم لا يفهمون معناها في سياق قوله تعالى:
«(إِنَّمَا) الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»
إلا إذا كانوا «جهلاء»، اتخذوا الشيطان وليًا، وعلى كل مؤمن مسلم أن يستعيذ بالله منهم؟!
إن كلمة «إنما» أداة «حَصْر»، معناها «البلاغي» في هذا السياق، حصر أعمال الشيطان في:
«الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالأَنصَاب وَالأَزْلام»
أي لا رجس إلا في هذه الأربعة، وهذا معناه تحريمها بـ «الدلالة القطعية»، تحريمًا إلى يوم الدين.
«فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ»
محمد السعيد مشتهري