«الوجه والكفان» بين التراث المذهبي و«بيان القرآن»
لقد بيّنا في المنشور السابق أن «التزيّن» إضافة إلى أصل الشيء «المُزيّن» تجعله حَسنًا أو أكثر حُسنًا، فملابس المرأة الداخلية «زينة»، والملابس التي تسترها وتستعملها في بيتها «زينة»، والجلباب الذي يستر كل هذا وتستعمله عند التعامل مع غير محارمها «زينة».
أولا:
نلاحظ أن الله استثنى المذكورين في الآية من أن تتعامل المرأة المؤمنة معهم بالزينة الظاهرة «الخمار والجلباب»، ولم يُبيّن لنا ما هي حدود ما تبديه من ثيابها «زينتها» لهؤلاء المذكورين:
«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ (لِبُعُولَتِهِنَّ) أَوْ (آبَائِهِنَّ) أَوْ (آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) أَوْ (أَبْنَائِهِنَّ) أَوْ (أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) أَوْ (إِخْوَانِهِنَّ) أَوْ (بَنِي إِخْوَانِهِنَّ) أَوْ (بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ) أَوْ (نِسَائِهِنَّ) أَوْ (مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) أَوْ (التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ) أَوْ (الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)»؟!
فهل ما تبديه لبعلها من «زينتها» تبديه لهم؟!
وهل ما تبديه لابن بعلها من غيرها، مثل ما تبديه لابنها؟!
وهل ما تبديه لأبي بعلها «لحماها» مثل ما تبديه لأبيها؟!
إلى آخر المذكورين في الآية؟!
إن كل المذكورين في الآية ينقسمون إلى:
١- من هو ذو رحم وذو محرم، كالأب والابن والأخ وابنه وابن الأخت.
٢- ومنهم من هو ذو محرم وليس ذا رحم، كأبي البعل وابنه.
٣- ومنهم من هو غير ذي رحم وغير ذي محرم، كالزوج ومن لا إرب له في النساء، والذي جعل الزوج محرما «العلاقة الزوجية».
ولكن هناك من هم ذو رحم وليسوا بمحارم، كابن عم المرأة، وابن عمتها وابن خالها وابن خالتها، فما الذي تبديه لهم من ثيابها؟!
إن القرآن لم يُبيّن ذلك، وإنما بيّنه «علم السياق»، وهو أداة من أدوات فهم القرآن، التي نتعلمها خارج القرآن.
ثانيا:
عندما يأمر الله تعالى المؤمنات أن:
«يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ»
فيخرج علينا «السلفي» ويقول، إن الله أمرها أن تضع الجلباب بحيث يغطي رأسها ووجهها وحتى قدميها.
ويخرج علينا «التنويري» ويقول إن لباس المرأة أكذوبة، وليس عليها إلا أن تغطي السوأتين، والثديين، والإبطين، لأن هذه هي «الجيوب» التي أمر الله المرأة سترها.
إذن فنحن أمام منظومة من «الإلحاد في الآيات القرآنية»، تحاول تشويه معالم الشريعة الإلهية، وتحريف أحكامها، كلٌ حسب هواه، وحسب مرجعيته التي ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد كان «الجلباب» معروفًا للعرب من قبل نزول القرآن، وكان يلبسه الرجال والنساء، ويغطي الجسم من الكتفين وحتى القدمين، وله فتحة تسمى «الجيب»، أو «فتحة الرقبة»، وتكون واسعة أو ضيقة، وكانت المرأة تستخدمها لإظهار محاسن صدرها، فأمر الله «المؤمنات» بستر هذا «الجيب» بخمرهن، وهذا ما نصت عليه الآيات القرآنية، بدلالاتها القطعية.
إن علينا أن ننظر إلى الأمر المشترك من زينة المرأة المؤمنة، أي من ثيابها التي يجوز لها إظهارها إلى الذين استثناهم الله في الآية، دون «الخمار والجلباب»، لنعلم أن هذا المشترك هو «الثياب الساترة» لملابسها الداخلية، التي رخص الله للقواعد من النساء بإبدائها عند التعامل مع غير محارمها، ولكن بشرط: «غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ».
فإذا كان هذا هو حكم الشريعة الإلهية في:
«الْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً»
فماذا يكون حكم النساء الشابات الحسناوات الفاتنات؟!
ولذلك لا تسأل، ولا تستغرب، ولا تندهش، عندما تسمع عن علاقات جنسية بين الأم وابنها، أو بين الأب وابنته، أو بين الأخ واخته..، وعندها قد نستيقظ من سباتنا، ونعلم لماذا قال الله لـ: «الْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً»:
«وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ»
ثالثا:
عندما تقول إنك على خلاف مع عالم في مسألة «في أي فرع من فروع العلم» لمجرد أن ما قاله لم يأت على هواك، دون أن تعلم الأصول العلمية التي أقام عليها هذه المسألة الخلافية، فهذه مصيبة فكرية.
وعندما تقول إنك على خلاف مع عالم في «اللغة العربية»، ويكون هذا الخلاف، على سبيل المثال، حول فهم كلمة «لذكري»، في قوله تعالى «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي»، فيسألك العالم:
هل تعلم أحكام «اللام» في القرآن، والفرق بين «اللام» التي في «لذكري» والتي في «لدلوك» في قوله تعالى «أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ»؟!
فتقول له: لا أعلم، فهذه مصيبة فكرية.
وعندما توافق أحكام القرآن، المتعلقة بـ «لباس المرأة المؤمنة المسلمة» ما جاء به «التراث المذهبي»، من تحريم إبداء غير «الوجه والكفين»، وقد بيّنا ذلك بالبراهين القرآنية قطعية الدلالة، وأكون أنا وأنت «كافرين» بهذا التراث المذهبي، ثم أراك ترفض اتباع القرآن لأنه جاء بما يوافق التراث المذهبي، فهذه مصيبة فكرية.
رابعا:
إن مجتمع «المؤمنين والمؤمنات» مجتمع:
١- طهارة القلوب من كل ما يُغضب الله تعالى.
٢- مجتمع يتربى فيه الأولاد «الذين لم يبلغوا الحلم» على حرمة النظر إلى «عورات» الأب والأم، بمعنى حرمة النظر إلى أي تصرف من شأنه أن يترك صورة ذهنية جنسية «سلبية» في قلوبهم.
فإذا ذهبنا إلى مجتمع «المؤمنين والمؤمنات» اليوم، فحدث ولا حرج، الأولاد يتعلمون كل شيء عن «العورات»، من الأفلام، والمسلسلات، وعلى الشواطئ، وعلى مرأى ومسمع من الوالدين، وطبعا لا ننسى أن لكل طفل اليوم موبيل!!
هناك أكثر من مسألة في موضوع «لباس المرأة المؤمنة المسلمة» تحتاج إلى بيان، وسأكتفي بهذا القدر، حتى لا تزداد جرعة «الملل» عند الأصدقاء.
محمد السعيد مشتهري