عندما ينطق القرآن بالدلالات المجازية
هناك كلمات عندما نقرأها أو نسمعها نفهم معناها الأصلي الذي وُضعت له، وعندما نستخدمها بصور مجازية نزيد المعنى اتساعًا وبلاغة وتأثيرًا في النفس.
أولا:
يقول الله تعالى في سورة مريم «الآية ٩٧»
«فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً»
إن نزول القرآن بـ «اللغة العربية»، «أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً»، هو الذي جعله ميسرًا يفهمه العرب، أهل «اللسان العربي»، ومنهم رسول الله محمد، «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ».
وهذا ما بينته سورة القمر في أربعة مواضع، حيث يقول الله تعالى:
«وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ»؟!
١- إن «الذكر» مصدر «ذكر»، وهو «التذكر» القلبي، لا اللساني، الذي يحدث عندما تتفاعل آليات عمل القلب، آليات التعقل والتدبر والتفقه والنظر..، مع المخزون المعرفي الذي يحمله القلب ومقابله الكوني المشاهد في الكون.
ولقد أسند فعل «التيسير» إلى الله تعالى «يَسَّرْنَا»، وكرّر ذلك أربع مرات، للتأكيد على أن القرآن «مُيسّرٌ».
ولكن هذا القرآن «مُيسّرٌ» لمن؟!
هل للأعاجم، ولأولادهم، الذين لا يعلمون العربية، بدعوى أن القرآن رسالة عالمية يجب أن يفهمه البشر جميعا؟!
إن القلب عندما يخلو من أي مخزون معرفي يتعلق بـ «اللغة العربية» التي نزل بها القرآن، يصبح قلبًا «أعجميًا» يحمله شخص «عربي»، فكيف يكون القرآن ميسرًا له؟!
٢- إن كلمة «لسان» عند جميع الشعوب تعني «آلة النطق»، وهذه الآلة لا علاقة لها مطلقا بـ «اللغات» التي تنطق بها الشعوب!!
فهل رأيت لسانًا شكله انجليزي، وآخر شكله فرنسي، وثالثًا ألمانيًا أصليًا؟!
لقد استخدم القرآن لفظة «اللسان» من باب ما يعرف في علم البيان بـ «المجاز»، للتعبير عن آية من آيات الأنفس، وهي آية «النطق»، والتي وسيلتها «اللسان».
و«الآية» في ذلك أن «الآلة» واحدة، التي هي «اللسان» من الناحية التشريحية، و«لغات» الشعوب مختلفة، فاستخدم «الآلة» لظهور العبرة فيها:
«وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ
لِلْعَالِمِينَ»
ونلاحظ أن الآيات ليست «لِلْعَالَمِينَ» بفتح اللام قبل الميم، وإنما «لِلْعَالِمِينَ» بكسرها، أي لـ «أولي العلم».
٣- لقد جعل الله القرآن مُيّسرًا بلسان النبي العربي:
«لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً»
و«اللام» في «لِتُبَشِّرَ بِهِ» تسمى «لام العلة»، أي أن الغاية من تيسير القرآن باللغة العربية هي البشارة والإنذار.
«لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ»:
«ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ»
إن المتقين هم الذين يضعون «حاجزًا» بينهم وبين ما يغضب الله، ويسارعون بالتوبة عند معصيته، هؤلاء هم الذين يهتدون بهدي الكتاب ويستبشرون بما وعدهم الله فيه.
ثانيًا:
يقول الله تعالى في سورة الأنعام «الآية ٩٢»
«وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ»
وعندما تجد اسم الإشارة «هذا» فأنت الآن تشاهد أمامك كتابًا اسمه «كتاب الله»، يقول الله تعالى أنه الذي أنزله «أَنزَلْنَاهُ»، والسؤال:
١- على أي أساس أقمت إيمانك بأن هذا الكتاب الذي تراه أمامك هو حقا كتاب الله؟!
ليس أمامك إلا أن تؤمن بـ «الآية» الدالة على صدق «نبوة» الرسول الذي بلغ هذا الكتاب.
فإذا آمنت بـ «الآية» الدالة على صدق «النبوة»، فقد آمنت بصدق الرسول، وبصدق الكتاب الذي أنزله الله.
وبدون أن تمر بهذا التسلسل الإيماني لا علاقة لك بهذا الكتاب، ولا بفهمه، ولا العمل بأحكامه، حتى تؤمن أولا بهذه الأصول.
ويوم أن تؤمن بهذه الأصول، فلن تجد أمامك إلا بابًا واحدًا للدخول في «دين الإسلام» وهو باب «الآية القرآنية» الدالة على صدق رسول الله محمد، الذي آمنت به، وصدق كتابه الذي تتبعه.
ويوم أن تُخلص في إيمانك بهذه الأصول، فستقطع علاقتك تماما بالجاهلية المذهبية التي كنت «تمدحها أو تذمها».
فهل يعقل أن تدخل «دين الإسلام» من بابه الصحيح، ثم تخرج منه لتزور مقابر الجاهلية وتعود؟!
٢- عندما يقول الله تعالى:
«وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا»
فهل بيّن القرآن ما اسم «أُمَّ الْقُرَى» وأين توجد على خريطة العالم، وهل الإنذار يكون للديار والأبنية أم لأهلها، ولماذا لم يقل الله لتنذر أهل «أُمَّ الْقُرَى»؟!
يستحيل أن نجد إجابة على هذه الأسئلة داخل القرآن!!
إن إنذار «أُمَّ الْقُرَى» يعني إنذار أهلها، بدليل قوله بعدها «وَمَنْ حَوْلَهَا»، وهذا ما يعرف في علم البيان بـ «مجاز الحذف».
ولم تأت «البشارة» للمؤمنين بعد «الإنذار»، لأن «واو» العطف في «وَلِتُنذِرَ» فصلت جملتها عن التي سبقتها، ولم يعد فعل «لِتُنذِرَ» يتعلق بفعل «أَنزَلْنَاهُ»، كما في الآية السابقة «مريم ٩٧».
لقد أصبحت «وَلِتُنذِرَ» جملة جديدة تتعلق بإنذار المكذبين السابق الإشارة إليهم في سياق الآية التي قبلها «٩١»، والتي بدأت بقوله تعالى:
«وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ..».
٣- لقد ذكر موقف المؤمنين من هذا «الكتاب المبارك»:
«وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ»
ووصفهم بصفة واحدة، وبأصل واحد من أصول الإيمان الخمسة، وهو «الإيمان بالآخرة»، وأن الذين «يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ» يؤمنون بالكتاب، لذلك قال «يُؤْمِنُونَ بِهِ».
ثم ذكر صفة أخرى من صفات هؤلاء المؤمنين، فقال تعالى:
«وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ»
والسؤال:
إن الإيمان بـ «كتاب الله» معناه العمل بكل ما جاء به من أحكام، ومنها هذا الأمر بالمحافظة على «الصلاة»، ولكن القرآن لم يأت في آية واحدة من آياته بمعنى كلمة «الصلاة»، وما معنى أن تأتي معرفة بـ «أل» التعريف.
وكيف يكون من صفات المؤمنين المحافظة على «الصلاة» ولا توجد آية واحدة تُبيّن لهم معنى هذه «الصلاة» وكيفية أدائها؟!
ولأنني خبير بطريقة الملحدين المسلمين في مواجهة عشرات التحديات التي حملتها منشورات هذه الصفحة، أكرر مرة ثانية السؤال:
نريد من «الجهابذة»، أصحاب بدعة أن «الصلاة» لا هيئة لها من قيام وركوع وسجود، أن يذكروا لنا الآية التي بيّنت معنى «الصلاة» التي يُصلّونها استنادا إلى فهمهم للقرآن؟!
وأكرر للمرة الثالثة:
أريد آية واحدة تحمل «معنى» كلمة «الصلاة» تحديدا.
أما الذين لا يعلمون ماذا أقصد بكلمة «معنى» فمن الأفضل أن يمتنعوا عن التعليق.
محمد السعيد مشتهري