نحو إسلام الرسول

(843) 1/8/2017 كيف نتعامل مع القرآن (25)

لماذا «غض» البصر و«حفظ» الفرج؟!

إن المقصد التشريعي العام، بالنسبة لمواصفات الثياب التي يجب أن تظهر بها المرأة المؤمنة المسلمة أمام غير محارمها، هو حماية المجتمع من الانحلال الأخلاقي، الذي إذا أمسك بالقلوب أفسدها.

لذلك، أمر الله «المؤمنين والمؤمنات» بغض الأبصار وحفظ الفروج، فقال تعالى:

«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ … وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ»

ثم خص الله «المؤمنات» بأمر خاص، أن يلتزمن بحدود معينة تتعلق بزينتهن، فقال تعالى:

«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ …. وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ»

وبحصر الآيات التي وردت فيها «الزينة» بمعناها المادي، نعلم أن المقصود بـ «الزينة الظاهرة» الثياب الخارجية التي اعتادت المرأة العربية أن تضعها على جسمها، وهي من جزءين:

أولا: الخمار

وكانت المرأة العربية تغطي به شعرها، وبرهان ذلك:

١- اللغة العربية

الخِمار: كل ما ستر شيْئاً فهو خماره، ومنه خمار المرأة، وهو ثوب تغطِّي به المرأة رأسها، ومنه العِمامة، لأن الرجل يغطِّي بها رأسَه، فالمرأة تغطي رأسها بالخمار، والرجل يغطي رأسه بالعمامة، «انظر لسان العرب، تاج العروس، وغيرهما».

إذن فالمقصود بتغطية الرأس تغطية الشعر، بدليل قولهم عن خمار الرجل: «يغطي رأسه بالعمامة»، ومعلوم أن «العمامة» تغطي فقط الشعر، ولا تغطي الوجه.

ثم نزل القرآن يأمر المرأة المؤمنة أن تسدل الخمار «الذي تعرفه»، على جيبها، «الذي تعرفه»، وهو فتحة الجلباب العليا، التي كانت المرأة في الجاهلية تتعمد أن تظهر منها جزءًا من صدرها.

٢- منظومة التواصل المعرفي

عندما نعلم أن الله أمر جميع المؤمنات أن يضربن بـ «خمرهن» على جيوبهن، فيستحيل أن يتعهد الله بحفظ هذا النص القرآني دون حفظ «مُسمّيات» كلماته، عبر «منظومة التواصل المعرفي»؟!

وعلى مر العصور، وإلى يومنا هذا، هناك شعوب وقبائل كثيرة يلبس نسائهن هذا «الخمار»، بل وهناك غير مسلمات يلبسن أيضا «الخمار».

ثانيا: الجلباب

حسب ما ورد في مراجع «اللغة العربية»، وما حملته لنا «منظومة التواصل المعرفي»، فإن الجلباب هو ثوب واسع طويل، يستعمله الرجال والنساء، ليستروا به الجسم كله، وهذا ما أفاده قوله تعالى بالنسبة للنساء المؤمنات:

«يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ»

و«الإدناء» تقريب شيء من شيء، وهو «كناية» عن ستر جسم المرأة حتى يقترب من الأرض، ولقد جاء اسم الإشارة «ذلك»، لبيان أن هذا «الإدناء» هو أقل ما يمكن أن يحمي المرأة من الإيذاء، فقال تعالى:

«ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ»

وعلى أساس ما سبق، نفهم «النهي المطلق» الذي ورد في الجزء الأول من الآية وهو:

«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»

وهو نهي عن إبداء المرأة من ثيابها «للناس جميعًا، رجالا ونساء»، غير الثياب الظاهرة، أي غير «الخمار والجلباب»، لأن هذا النهي نهي مطلق.

والسؤال: لماذا فَرّق الله بين الزينة الأولى:

«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا»

والزينة الثانية:

«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ إِلاَّ..»

هنا نعلم الحكمة من الاستثناء الثاني «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ..» لبيان أن هناك مستثنين من هذا النهي المطلق الوارد في الجزء الأول من الآية، وهم الذين يُباح أن تُظهر المرأة لهم من ثيابها ما تحت الخمار والجلباب، لذلك أعاد صيغة النهي «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ» دون «إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا».

وعندما نتدبر الذين استثناهم الله من النهي المطلق، نجد أن هذا الاستثناء يتوقف على درجة القرب والصلة بالمرأة، أي أن هناك تتدرج في إظهار المرأة لما تحت خمارها وجلبابها.

إن الذي يجوز لها أن تظهره من ثيابها لأبعدهم عنها قرابة وصلة، يجوز لها بلا شك أن تظهره لأقربهم.

وإن الذي يجوز لها أن تظهره من ثيابها لأقربهم، منه ما لا يجوز لها أن تظهره لأبعدهم.

مثال: «إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ»

فهل ما يجوز للنساء كشفه من ثيابهن لبعولتهن، يحل لهن كشفه لـ «آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ..»؟!

طبعا يستحيل، فـ «الخمار والجلباب» مثلا يجوز للمرأة أن تَظْهَر بهما لأقربهم وأبعدهم صلة بها، ولجميع المذكورين في الآية.

أما «الثياب الساترة»، التي تغطي بها المرأة «ثيابها الداخلية»، فلا يحل لها إظهارها، «بدون الخمار والجلباب»، إلا لهؤلاء:

«لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ لزوجها..».

وبذلك نستطيع أن نقف على حجم المصيبة «العقدية» التي تعيش بداخلها اليوم «النساء المسلمات»، والتي جاءت القراءات القرآنية، والمعاصرة، والمستنيرة، لتدعّمها وتباركها.

إن المرأة المؤمنة المسلمة تُعْرف بثيابها ووقارها، لأنها بهذه الثياب تعطي رسالة إلى مرضى القلوب بأنها ليست من أهل الشهوات المحرمة، التي تنتظر الراغب في شرائها أو الاستمتاع بها.

وطبعا ليس غريبا أن نرى من النساء الملتزمات بـ «اللباس الشرعي» من يطلبن الشهوات المحرمة، بسلوكيات وتصرفات غير منضبطة، وهذا ليس مبررًا للتحلل مما أمر الله النساء المؤمنات الالتزام به.

كما ليس غريبا أن تخرج علينا النساء المتبرجات الكاشفات لما أمر الله ستره، ببدع غريبة إن دلت على شيء فإنما تدل على الجهل بأحكام القرآن، فيقولون:

«ولماذا لا يغض الرجال أبصارهم عنّا كما أمرهم الله»؟!

والجواب:

التزمي أنتِ أولا بما أمركِ الله، حتى لا يسقط عنك شرط «الإيمان»، فأنت داخل مصيبة عقدية أصلا، لأن الخطاب للمؤمنات، يأمرهن الله الالتزام بأحكام الشريعة، فأين أنت منهن؟!

وبعد أن تلتزمي بما أمركِ الله به، تعلمي وادرسي وافهمي لماذا أمر الله المؤمنين بـ «غض البصر» عن النساء، ومعظم أجسامهن أصلا مستورة؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى