الرابطة الموضوعية بين الأحكام القرآنية
من الضروري جدا، بل ويستحيل فهم القرآن، والوقوف على الرابطة الموضوعية بين أحكامه، دون إيماننا بأن الله تعالى حفظ أسماء ومُسمّيات كلمات القرآن عن طريق:
أولا: منظومة التواصل المعرفي
ثانيا: مراجع اللغة العربية
وإلا فما فائدة حفظ الله لكلمات القرآن في المصحف، دون حفظ مُسمّياتها التي بها نتعرف عليها ونفهم معناها؟!
لقد بدأت أحكام سورة النور ببيان ثمرة إباحة الشهوات المحرمة بين الناس، وعدم وضع الضوابط والحدود التي من شأنها منع إثارة هذه الشهوات، حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، فتكون النتيجة هذه العقوبة:
«الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ»
ومن باب «الوقاية خير من العقاب»، وضع الله الحدود التي يحرم تعدّيها، وقد كان التركيز على المرأة، وكان ذلك واضحًا في تقدّمها على الرجل في العقوبة «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي»، وكذلك في مقدمة حب الشهوات:
«زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ..»
وعليه جاء الأمر:
١- بغض البصر «الآية ٣٠ – ٣١»
٢- حفظ الفرج «الآية ٣١»
٣- تحريم إبداء المرأة «زينتها» لغير الذين نصت عليهم «الآية ٣١»
٤- إباحة كشف المرأة زينتها أمام الذين لا تتحرك لهم شهوة تجاه النساء «الآية ٣١»، وهذا معناه تحريم كشفها أمام غيرهم.
٥- والأطفال الذين لم يتعرفوا على الشهوات وعورات النساء «الآية ٣١»، وهذا معناه تحريم كشف العورات وإبداء ما يثير الشهوات.
٦- ستر المرأة بخمارها شعرها وفتحة جلبابها «الآية ٣١»، وهما من مواضع الزينة عند المرأة.
٧- تحريم قيام المرأة بحركات أو رقصات من شأنها إثارة الشهوات عن طريق الكشف عن زينتها الخفية «الآية ٣١».
٨- تحريم اطلاع الأولاد على عورة الوالدين، سواء لم يبلغوا أو بلغوا الحلم، ولا شك أن ذلك متعلق بمسألة إثارة الشهوات «الآية ٥٨».
٩- الترخيص فقط لـ «الْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ» في خلع الخمار والجلباب، بشرط ألا ينتج عن ذلك إثارة للشهوات، والأفضل أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ «الآية ٦٠».
لذلك عندما بدأت حديثي عن «لباس المرأة المؤمنة المسلمة» بدأت بحكم «القواعد من النساء»، ولماذا خصهن الله بآية مستقلة من آيات سورة النور، للترخيص لهن بالتخفف من الثياب، فقال تعالى:
«وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
ولقد بيّنت في البوست المرفق الثياب التي كانت المرأة العربية تلبسها، والتي رخص الله تعالى لـ «الْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ» التخفف من بعضها وهي الثياب الظاهرة «الخمار والجلباب»، بشرط ألا يحمل شعرها، أو «الملابس الساترة»، ما من شأنه إثارة الشهوات، وهذا ما أفاده قوله تعالى:
«غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ»
و«التبرج» إظهار ما يجب ستره.
ولقد كانت العرب تستخدم هذه الكلمة مع النساء اللاتي يتعمدن إظهار ما يجب ستره من زينتهن، فيقولون امرأة بارج، أو متبرجة، وصفا للتي تريد إظهار مفاتنها لإثارة شهوات الرجال.
ولنا أن نتخيل، أنه مع كل هذه الصفات التي اتصفت بها «الْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ»، يقول الله تعالى: «وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ»، أي خير لهن أن يلبسن الخمار والجلباب عند مقابلة غير المحارم، وعند الخروج من البيت.
إنه يستحيل الحديث عن أحكام ثياب المرأة المؤمنة، ولا الحديث عن ما يحل لها إبداؤه من زينتها وما يحرم، دون أن تكون المظلة المعرفية التي نقف تحتها هي ما سبقه بيانه من علاقة موضوعية بين أحكام سورة النور.
محمد السعيد مشتهري