على هامش «ثياب» المرأة «المؤمنة المسلمة»
سأضرب مثالا يتعلق بموضوع المنشور السابق، يُبيّن كيف يتعامل أصحاب القراءات القرآنية، والمعاصرة، والمستنيرة، مع أحكام القرآن.
أولا:
لم يقل أحد، من أهل تدبر القرآن، إن ثياب المرأة اسمه «الحجاب»، حتى نُضيّع وقتنا وجهدنا في بحث شيء يكفي في الرد عليه أن نقول: إن الله لم يأمر «المرأة المؤمنة» بلبس شيء اسمه «الحجاب».
ثانيا:
المرجعية الوحيدة لأحكام الشريعة الإسلامية هي نصوص «الآية القرآنية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
ولما كانت كلمات هذه النصوص لم تحمل في ذاتها «مُسمّياتها» التي يستحيل فهم الكلمات إلا بها، حفظ الله تعالى:
١- في مراجع اللغة العربية:
«اللسان العربي» الذي به نستطيع أن نقرأ هذه الكلمات، ونفهم معناها.
٢- عبر منظومة التواصل المعرفي:
«مُسمّيات» الكلمات، حيث يستحيل فهم معناها دون وجود صورة ذهنية مسبقة، تجعلنا نتعرف عليها.
إذن فعندما يرفع أصحاب القراءات القرآنية، والمعاصرة، والمستنيرة، رايات الاستسلام لمراجع «اللغة العربية»، ويؤمنون بوجوب الاستعانة بها في فهم آيات الذكر الحكيم، عليهم أن يعلموا أن الله قد حفظ «اللسان العربي» الذي نفهم به القرآن، داخل هذه المراجع، وهذا لا يعني أن الله حفظ كل ما ورد فيها.
لذلك عليكم أن تعلموا، عند تعاملكم مع هذه المراجع، أن البرهان على حفظ الله لـ «اللسان العربي» داخلها هو:
١- تناغم المعنى مع «السياق» الذي وردت فيه الكلمة
٢- تناغم المعنى والكلمة مع «مسمّاها» الذي حفظه الله عبر «منظومة التواصل المعرفي»، سواء كان تواصلًا معرفيًا «أمميًا»، أي على مستوى أمة من الأمم، أو «عالميًا» على مستوى شعوب العالم.
أما أن تأخذوا من مراجع «اللغة العربية» ما يخدم فقط توجهاتكم الدينية العقدية والتشريعية، وتتركوا ما حملته من لسان عربي، فهذا مدخل غير علمي ولا شرعي.
ثالثا:
يستحيل أن يأمر الله النساء المؤمنات، في عصر التنزيل، أن:
«يَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»، وأن «يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ»
دون سابق معرفة بماهية «الخمار»، وماهية «الجلباب».
وإلا كيف يقمن بتنفيذ هذا الأمر الإلهي، وهن لا يعلمن ما هو «الخمار» وما هو «الجلباب»؟!
إن حفظ الله لهذه الآيات وكلماتها:
«وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»، و«يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ»
يستلزم حفظ «مُسمّياتها» إلى يوم الدين، وإلا فما فائدة حفظ الكلمات دون حفظ مُسمّاها؟!
ولقد حفظ الله معاني هذه الكلمات، وتناغمها مع مسمياتها، عبر «منظومة التواصل المعرفي»، منذ عصر الرسالة، وإلى يومنا هذا.
رابعا:
لقد حذر الله المؤمنين المسلمين من «التفرق في الدين»، وخاطب بهذا التحذير رسوله محمدا، فقال تعالى:
«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً… ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ… مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ… مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
لذلك «يحرم» التعامل، مع مرجعيات وأمهات كتب هذه الفرق، التي تفرقت في الدين وكانت شيعا، في أي دراسة أو بحث يناقش قضايا «الإسلام»، أو «أحكام القرآن».
إن هؤلاء الذين كتبوا عن لباس المرأة، أو عن حجاب المرأة، واستندوا في دراساتهم إلى مرجعيات وأمهات كتب فرقة «أهل السنة»، أو أي فرقة أخرى، هؤلاء لا يعلمون عن «الإسلام» شيئًا، لأنهم لم يدخلوه أصلا من بابه الصحيح.
خامسا:
إن المتدبر لآيات سورة النور، والدارس لأحكامها، يعلم أنها جاءت تضع الضوابط لمجتمع إيماني يعلم حرمة إثارة الشهوات الجنسية التي تقضي على الحياة الإنسانية في أي مجتمع، وتجعل من مرتكبيها كائنات حية أضل من الأنعام.
لذلك كانت هي السورة الوحيدة التي بدأت بهذه البداية الحاسمة:
«سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»
ثم ماذا؟!
«الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ (تُؤْمِنُونَ) بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ»
وسَتُبيّن لنا أحكام السورة بعد ذلك لماذا بدأ السياق بالمرأة!!
ثم ماذا؟!
«الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ (زَانِيَةً) أَوْ (مُشْرِكَةً) وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى (الْمُؤْمِنِينَ)»
ثم ماذا؟!
«إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ… لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ. لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ… وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ… إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي (الَّذِينَ آمَنُوا) لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ… يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»
ثم ماذا؟!
«إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ… الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ (مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ)..»
ثم ماذا؟!
«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ… وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ… وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
ثم ماذا؟!
«وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ (نِكَاحاً) حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ… وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى (الْبِغَاءِ) إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»
ثم ماذا؟!
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ… ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ… وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ… وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
ثم ماذا!
يخرج علينا أًصحاب القراءات القرآنية، والمعاصرة، والمستنيرة، يفترون على الله الكذب، ويقولون:
إن الله لم يأمر المرأة بالالتزام بثياب يغطي ما من شأنه أن يثير الشهوات عند الرجال، بل ومنهم من قالوا، ووضعوا صورًا للتأكيد على ما يقولون:
ليس مطلوب من المرأة المؤمنة إلا تغطية «الفرج»، و«الدبر»، وما تحت الإبطين»، لأن هذه هي الجيوب التي أمر الله المرأة بضرب الخمار عليها!!
أقول:
إن «الجيوب» جمع «جيب»، وجاءت بصيغة الجمع لأن الله يخاطب المؤمنات جميعا، والمرأة ليس لها إلا «جيب» واحد فقط، هو الذي عرفته نساء العرب، وتعرفه إلى يومنا هذا، وهو الفتحة التي تكون في لباسها من جهة الصدر، وتسمى بفتحة الصدر.
ولكن السؤال الأهم:
لقد أمر الله تعالي المؤمنات بقوله:
«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا»
ثم قال:
«وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»
ثم قال:
«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ…»
فما الفرق بين الزينة الأولى:
«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا»
وبين الزينة الثانية:
«وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ…»
فهل «الزينة» التي تبديها واحدة؟!
وهل «الزينة» التي تبديها المرأة لبعلها، هي نفسها التي تبديها لأبيها، أو لحماها، أو …. إلى آخر المذكورين على ترتيبهم في السياق؟!
محمد السعيد مشتهري