«المبني للفاعل والمبني للمفعول»
ما الفرق بين «قلنا»، و«قيل» في السياق القرآني؟!
يقول الله تعالى في سورة البقرة «٥٨»:
«وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هذِهِ الْقَرْيَةَ»
إن القائل معلوم وهو الله تعالى، أي أنه صرّح بالفاعل، وتسمى هذه الصيغة «بناءً للمعلوم».
ويقول الله تعالى في سورة الأعرف «١٦١»:
«وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هذِهِ الْقَرْيَةَ»
وهنا لم يُسمّ فاعل الفعل، مع علمنا أنه الله تعالى.
فلماذا اختلفت الصيغتان؟!
لا شك أن عدم التصريح بالفاعل، في آية «الأعراف ١٦١»، جاء لغرض بلاغي يريد الله أن يلفت النظر إليه، وهو الاهتمام بموضوع الحدث، وليس بفاعله.
ولذلك أضاف «نعمة السكن» إلى دخول القرية، فقال:
«اسْكُنُواْ هذِهِ الْقَرْيَةَ»
ولم يكتف بدخولها الوارد في «البقرة ٥٨»:
«وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هذِهِ الْقَرْيَةَ»
ونلاحظ ذلك في كثير من الآيات:
١- يقول الله تعالى:
* «وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا»
* «خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ»
فجاءت الصيغة مبنية للمفعول، لبيان جانب من طبيعة هذا الإنسان المخلوق، «الضعف، العجل» ولا شك أن الخالق «الفاعل» معلوم، لذلك قال تعالى:
* «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ»
* «خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ»
٢- عندما أراد الله أن يلفت النظر إلى الاهتمام بالحدث، وليس إلى محدثه، قال تعالى:
«فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ. وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً»
فهنا جاء بناء الأفعال «نُفِخَ»، «وَحُمِلَتِ»، «فَدُكَّتَا»، للمفعول، ولم يصرح بمحدثها، وهو الله عز وجل.
٣- ونلاحظ ذلك في الصيغتين «طُبِعَ»، و«طَبَعَ»، فقد وردتا في سورة التَّوبة في سياقين متقاربين لفظًا ومعنى:
فيقول الله تعالى في سورة التوبة «٨٧»:
«وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ»
ويقول تعالى الآية «٩٣»:
«وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»
ففي الآية الأولى، أراد توجيه الأذهان إلى ما هو أدق وأعمق من «العلم»، وهو «التفقه»، إدراك الأشياء الخفية، وليس فقط العلم بها، الوارد في الآية الثانية.
٤- كما نلاحظ ورود الصيغتين «يُطاف» و«يَطُوف» في سورة الإنسان، وفي سياق واحد يتحدث عن الجنَّة والنَّار:
فيقول الله تعالى «الآية ١٥»:
«وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا»
ثم يقول تعالى في «الآية ١٩»:
«وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا»
ففي الآية الأولى جاء الفعل المبني للمفعول «وَيُطَافُ»، لأنه يريد لفت النظر إلى ما يُطاف به، «بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ..»، ولم يقصد وصف الطَّائفين.
أما الآية الثانية، فسمّي فيها الفاعل «وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ»، لأن المقصود وصف الطَّائفين، لا المطوف به.
كما نلاحظ أن السياق بدأ بالأهم، «الآية ١٥»، وهو المطاف به الذي به تنعُّمهم في الجنة، آنية الفضَّة والأكواب القوارير..، ثُمَّ أعقب بالمهم «الآية ١٩» وهم الطَّائفون الذين يقومون بخدمة أهل الجنة.
محمد السعيد مشتهري