لقد بعث الله نبيه الخاتم محمدًا في «أمة العرب» لحمل كتابه للناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فكان منهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق إلى الخيرات:
«فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ»
أولا:
إن قوله تعالى «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ»، برهان قطعي الدلالة على أن رسول الله لم يترك قبل موته شيئًا يرثه الناس غير «كتاب الله»، أي أن «كتاب الله» هو «ميراث» رسول الله الديني الذي ورثه عنه صحابته بعد موته.
ثانيا:
إن قوله تعالى:
«فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ»
برهان قطعي الدلالة على التنبؤ بتفرق المسلمين في حمل ميراث الكتاب إلى فرق ومذاهب عقدية مختلفة، هي التي عليها المسلمون اليوم.
إن «التفرق في الدين» معصية لله وظلمًا للنفس:
«قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ»
إن كل من تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه:
«وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»
«وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ»
إن الذين أشركوا مع «كتاب الله» مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان، قد ظلموا أنفسهم:
«وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»
إن الميزان العام لبيان صدق الإيمان:
«الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ»
إن «اللبس» يحدث عند الخلط بين شيئين متشابهين، ومن ذلك قولهم إن «كتاب الله» وحيُ من الله إلى رسوله، كما أن «مرويات» الرواة وحيٌ من الله إلى رسوله، وبذلك خلطوا بين الحق والباطل!!
وإن من ظلم النفس أن يظل المفكرون الإسلاميون، بجميع توجهاتهم الدينية، يعملون في مقابر «الفكر الإسلامي»، ولا يَدْعُون المسلمين إلى إعادة الدخول في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، باب «الآية القرآنية».
وإن من ظلم النفس أن نرى على شبكات التواصل الاجتماعي من لا عمل لهم إلا الحديث عن مصائب تراث الفرقة التي ولدوا فيها، وما تحمله أمهات كتبها من أباطيل!!
لقد أصبح «الإفلاس الفكري» ظاهرة مميزة لمنشورات الفيس بوك الدينية، فلا أدري ما علاقة المسلمين اليوم بآلاف «المتعلقات» الموجودة في قبور أصحاب أمهات كتب الفرق الإسلامية؟!
ما علاقة المسلمين اليوم بمتعلقات البخاري السني صاحب الصحيح، أو الكليني الشيعي صاحب الكافي، أو بأئمة المذاهب الفقهية، وما إذا كان الرسول قد «رجم القرود» أم لا..، إلى آخر آلاف «المتعلقات» الموجودة على الشبكة، والتي صنعت من الغلمان «فكريا» نجومًا؟!
ثالثا:
إن أمة رسول الله محمد هي الأمة الوحيدة من بين جميع الأمم، التي يصح القول عنها، «إن الله أورثها الكتاب».
إن الله تعالى لم يتعهد بحفظ الكتب السابقة، فلم يرث أتباع الرسل السابقين إلا كتبا محرّفة.
أما أمة رسول الله محمد، فقد تعهد الله بحفظ كتابها إلى يوم الدين، فلا نبي بعد رسول الله محمد، وورثت الأجيال المسلمة كتاب الله محفوظًا بحفظ الله له.
لذلك فإن قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ»
تفصيل لقوله تعالى:
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»
وإذا كان «الميراث» يعني انتقال شيء من قوم إلى قوم، ومن جيل إلى جيل، فإن المسلمين لم يرثوا غير «الذكر» المحفوظ، الذي هو صفة من صفات «الكتاب»، باعتباره نصًا تشريعيًا إلهيًا واجب الاتباع.
كما أن في قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ»
دليل على أن الدخول في «دين الإسلام» ليس له إلا باب واحد هو باب الكتاب، الذي حمل «الآية القرآنية».
فمن أين جاء المسلمون بـ «الإسلام الوراثي» الذي ظلوا يتوارثونه «مذهبيًا» قرونا من الزمن إلى يومنا هذا؟!
من أين جاء المسلمون بأن المولود السني يظل سنيًا، والشيعي يظل شيعيًا، والزيدي يظل زيديًا، والأباضي يضل أباضيًا، والحنفي يظل حنفيًا، والمالكي يظل مالكيًا…، إلى آخر الفرق والمذاهب العقدية والفقهية التي فرقت المسلمين، ولم يتوبوا إلى الله وظلوا مصرّين على تفرقهم؟!
يا أيها «المفكرون المسلمون»، ويا أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة والمستنيرة، «المذهبية»، التابعة للفرقة التي ولدتم فيها:
من الذين سيكونون شهداء على الناس، ومتى سيتحقق ذلك، وأنتم لا هم لكم إلا قال البخاري وقال الشافعي وقال ابن تيمية وقالت «القرود»؟!
فإذا لم يكن أنتم الذين قال الله فيهم «فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ»، هؤلاء الذين لم يؤمنوا بميراث الكتاب، ولم يدخلوا «دين الإسلام» من بابه الصحيح..، إذن فمن هم؟!
محمد السعيد مشتهري