كيف وزّع «النبي» أحاديثه على الفرق الإسلامية؟!
منذ عقود مضت، وتوجهات دينية مختلفة تطالب ولاة أمور المؤسسة الدينية الرسمية التابعة لفرقة «أهل السنة والجماعة»، بتنقية أمهات كتب الحديث، مما يسيء إلى «دين الإسلام».
والسؤال:
هل «دين الإسلام» لا يحمله إلا أتباع فرقة «أهل السنة والجماعة»؟!
لا مانع عندي أن يعتقد أتباع فرقة «أهل السنة والجماعة» أنهم «الفرقة الناجية»، لا يرون «دين الإسلام» إلا في فرقتهم، ولكن عليهم أن يعلنوا أن باقي الفرق في النار!!
ولماذا عندما ظهر القرآنيّون، والعصريّون، والمستنيرون، ظهروا من داخل فرقة «أهل السنة والجماعة»، وعندما أرادوا تنقية «الأحاديث» المنسوبة إلى النبي، طالبوا «الأزهر» بذلك، ودخلوا السجون في سبيل تنقية أحاديث الفرقة التي ولدوا فيها؟!
ولماذا ظهرت «داعش» داخل فرقة «أهل السنة والجماعة»، وأفسدت في الأرض استنادًا إلى مرجعيات هذه الفرقة وفتاوى أئمتها؟!
ولماذا ظهر زعيم القراءات القرآنية الشاذة، «محمد شحرور»، داخل فرقة «أهل السنة والجماعة»، ويتحرك حرًا ينشر إلحاده حول العالم، انطلاقًا من نفس أمهات كتب هذه الفرقة، ويقول في سياق حديثه عن الطاعة المتصلة للسنة الرسالية:
«إنها في الشعائر الواردة فيما (ثبت عن الرسول) من أحاديث رسولية»!!
وعندما أراد أن يثبت تهافت «أصول الفقه»، استند إلى أمهات كتب الفرقة التي ولد فيها، فيقول:
«وهكذا يتبين لنا تهافت أصول الفقه، التي وضعها الشافعي، والتي أطلق عليها: الكتاب – السنة – الإجماع – القياس»!!
إن زعيم القراءات القرآنية المعاصرة، «مفكرٌ سني العقيدة»، ينطلق في جميع قراءاته المعاصرة من قاعدة «الجاهلية الأولى»، التي جاء «دين الإسلام» بتحريمها، ويظن التابعون له أنه عصري مستنير!!
وإذا كنت قد ضربت مثالا بفرقة «أهل السنة والجماعة»، وأنها اتخذت أمهات كتب خاصة بها، وفي مقدمتها كتب الحديث، فإن لكل فرقة من الفرق الإسلامية أيضا أمهات الكتب الخاصة بها.
فإذا أردنا الوقوف على الفرق بين فرقة «أهل السنة والجماعة» و«الشيعة»، على سبيل المثال، نجد أن الأولى تعتمد في حجية «مروياتها» على ما يُسمّى بمبدأ «عدالة الصحابة»، أما الثانية فتعتمد على مبدأ «عصمة الأئمة»!!
والحقيقة أنه لا عدالة ولا عصمة لأحد غير «النبي الخاتم»، بل وليست هذه العصمة على إطلاقها، وإنما في «مقام الوحي» والبلاغ عن الله تعالى.
إن هناك حلقة مفقودة بين رسول الله محمد وجميع الرواة الذين نسبوا إليه «الأحاديث» على مستوى جميع الفرق الإسلامية، ولا أستثني راويًا ولو كان صحابيًا «عدلًا»، أو إمامًا «معصومًا»!!
إن «كلام النبي» الذي خرج على لسانه، و«سنته النبوية» التي تحرك بها بين قومه، قد انتهت فعاليتهما بوفاة النبي.
لقد أصبحت الصورة الوحيدة لاتباع النبي هي تفعيل المسلمين للنص القرآني في حياتهم، واتباع ما حملته لهم «منظومة التواصل المعرفي» من «مُسمّيات» كلمات القرآن، وكيفية أداء ما أجمله من أحكام، كأحكام «الصلاة».
إن الله تعالى لم يأمر «النبي» بتدوين نص اسمه «الأحاديث النبوية»، وإلا لكان النبي عاصيًا لله، فأين كتاب الحديث الذي أشرف النبي على تدوينه؟!
أن الله عندما أمر النبي بتدوين القرآن، دونه النبي نقلا عن الله بدون سند، ولذلك نقول «قال الله…» مباشرة.
ولو أن الله أمر النبي بتدوين شيء اسمه «الأحاديث»، لوصلتنا عن النبي بدون سند روائي، فنقول «قال رسول الله..»، الأمر الذي لم يحدث مطلقا!!
فلماذا تُضيّعون حياتكم في المطالبة بتنقية شيء لا علاقة له أصلا بـ «دين الإسلام»، في الوقت الذي لم يتغير فيه، على مر العصور، سطر واحد من أمهات
كتب فرقة «أهل السنة والجماعة»، ولا أمهات كتب أي فرقة أخرى، «ولن» يتغير؟!
في أواخر السبعينيات، عندما فكرت في خلع ثوب «السلفية»، كنت داعيًا ألقي الدروس على طلاب الجامعات، ولا أعلم أن هناك فرقًا إسلامية غير «أهل السنة والجماعة»، كما لا أعلم أن هناك أمهات لكتب الحديث غير الكتب الستة المشهورة التي أعرفها.
وعندما درست «علم الحديث»، ظهرت لي إشكاليات تتعلق بموضوع «الحُجيِّات»، موضوع:
«قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»
ولقد تعلمت، منذ أن كنت «معيدًا»، أصول البحث العلمي، وأن حجية أي شيء يجب أن تكون حلقاتها متصلة، وهذه «المرويات» التي نسبها الرواة إلى رسول الله ليست عن رسول الله مباشرة!!
وقد كانت تربطني برئيس لجنة الفتوى بالأزهر، الدكتور عبد الله المشد، علاقة طيبة، فأخذت معي «٣٠٠» رواية من صحيح البخاري، وطلبت منه أن يعرض هذه «الروايات» على «مجمع البحوث الإسلامية»، ويطالبهم بتنقية صحيح البخاري منها.
وبعد عرض الموضوع على أعضاء «مجمع البحوث الإسلامية» وافقوا بالإجماع على أن ما يعرضه رئيس لجنة الفتوى سيفتح باب فتنة يستحيل أن يغلق، و«الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها»!!
قالوا له: إن جميع أمهات كتب التفسير والحديث والفقه، منتشرة ومترجمة بمعظم لغات العالم، ويستحيل تغيير كلمة واحدة منها، وإلا خرج المسلمون من «ملة الإسلام»، وضربونا بالنعال في الشوارع!!
وأنا بخبرتي في التعامل مع علماء الفرق الإسلامية، ومع مؤسساتهم الرسمية وغير الرسمية، أقول باستحالة أن يأتي يوم يتغير فيه سطر واحد في أي كتاب من أمهات كتب هذه الفرق!!
إن كل ما يمكن أن تفعله المؤسسات الدينية الرسمية في أي دولة من دول العالم، هو ما يُعرف بـ «التحقيق العلمي»، أي أن تكلف لجنة من المتخصصين لتحقيق كتاب من الكتب.
وكل ما تفعله اللجنة هو أن تكتب في هوامش الكتاب رأيها في كلمة أو جملة أو رواية وردت، دون المساس بأي حرف فيه!!
وقد تم فعلا تحقيق الكثير من الكتب منها كتاب «جمع الجوامع للسيوطي»، الذي يحتوي على ما يقرب من المائة ألف حديث، وقاموا بتخريجها استنادا إلى كتب الصحاح الستة!!
ولكن في النهاية ستبقى جميع الكتب كما هي دون مساس، ولن يخرج تحقيقها عن إطار قواعد «المنظومة الحديثية»!!
وأظن أن هذا ما سيفعله «مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف»، فلن يخرج عن إطار قواعد «المنظومة الحديثية» الخاصة بفرقة «أهل السنة والجماعة»، ولن يمس حرفًا من أمهات كتب الحديث!!
والسؤال:
كيف نقول إننا نقدم للعالم الإسلامي خدمة جليلة، والحقيقة أننا نقدمها لأتباع فرقة «أهل السنة والجماعة»، ولا تلزم باقي الفرق الإسلامية؟!
إن التفرق في الدين «منكرٌ» ينطلق من قاعدة «الشرك بالله»، بنص قطعي الدلالة في سورة الروم «الآية ٣٢»، حمل تحذيرًا إلهيًا لجميع الفرق الإسلامية الموجودة اليوم.
إن مرجعية «دين الإسلام»، التي تعهد الله بحفظ نصوصها، هي كتاب الله الخاتم، «القرآن الكريم»، الذي حمل في ذاته البرهان على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
ولقد جاء البرهان على صدق «نبوة» رسول الله محمد «آية قرآنية عقلية» تعهد الله بحفظ نصوصها إلى يوم الدين، ليقيم المسلمون على أساسها شهادتهم على الناس، ويخرجوهم من الظلمات إلى النور.
وما زال المسلمون، قرونا من الزمن، يعيشون في ظلمات هجر «الآية القرآنية»، وقد أخرجوا أنفسهم من النور إلى الظلمات، ولم يعد يملكون من «دين الإسلام» إلا «الترف الفكري»، أو ما يسمى بـ «الفكر الإسلامي»!!
وحتى منظومة «الفكر الإسلامي» اختلط فيها الحق بالباطل، ولم يعد الناس يُفرّقون بين حجية «الآية» وحجية «الرواية»، بل وأصبحت «الرواية» هي الأكثر شهرة وتقديسا، كلٌ حسب الفرقة التي ينتمي إليها، وحسب مدارسها في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف!!
وحتى مرجعية «الرواية» أصبحت تحتاج إلى إعادة نظر، وتنقية مما أصابها من باطل!!
فمن وراء إبعاد الناس، والمسلمين، عن «إسلام الرسول»؟!
محمد السعيد مشتهري