نحو إسلام الرسول

(922) 18/10/2017 كيف نتعامل مع القرآن (38)

من «بديع البيان» لـ «آية القرآن»

سأضرب مثالًا يُبيّن استحالة فهم القرآن دون الاستعانة بعلوم «اللغة العربية»، ويسقط القول بأن اللغة العربية من «اللغو» الذي نهى الله عنه!!

يقول الله تعالى «الآية ٩٩» من سورة الأنعام:

* «وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ»

* «فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً»

* «وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ»

* «مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ»

* «انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ»

* «إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

إن السياق الذي وردت فيه هذه الآية يتحدث عن دلائل الوحدانية، ومن هذه الدلائل «آية النبات» التي تحدثت عنها هذه الآية، وكيف أن الماء واحد، والأشجار والثمار مختلفة الشكل واللون والطعم والرائحة، وغير ذلك مما تحمله «آية النبات» من خصائص دقيقة.

فإذا تدبرنا جملة «مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ» نجد أنها تتعلق بخصائص «آية النبات» الظاهرة والباطنة، الدقيقة وغير الدقيقة، التي يمكن أن «تشتبه» على الإنسان، و«المتشابهة»، و«غير المتشابهة»، وكلها تحتاج إلى نظر وتأمل وتفكر، لذلك عقب بقوله:

«انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ»

ثم بقوله تعالى:

«إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

ونلاحظ أن السياق استخدم اسم الإشارة «ذَلِكُمْ»، وليس «ذلك»، لبيان أن المقصود كل ما ذُكر من قبل من دلائل الوحدانية.

فتعالوا نقف عند جملة:

«مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ»

وعند نفس الجملة، التي وردت في «الآية ١٤١»، مع تغير في بناء الكلمة الأولى، فقال تعالى عن «آية النبات»:

«مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ»

نلاحظ الفرق بين تركيب الكلمتين:

«مُشْتَبِهًا» – «مُتَشَابِهًا»

إن الكلمة الأولى: «مُشْتَبِهًا»، اسم فاعل، من «اشتبه»، الذي يفيد الالتباس والإشكال.

والكلمة الثانية «مُتَشَابِهًا»، اسم فاعل، من «تشابه»، الذي يفيد المشاركة والتماثل في صفات معينة.

فلماذا جاءت كلمة «مُشْتَبِهًا» في الأولى، وليس «مُتَشَابِهًا»، هل هذا يعني أنهما بمعنى واحد «مترادفان»؟!

هنا يجب أن نستعين بـ «أدوات فهم القرآن»، وهي حسب مشروعي الفكري:

اللغة العربية وعلومها – علم السياق القرآني – آليات عمل القلب، ومنها آليات التدبر والتفكر والتعقل – منظومة التواصل المعرفي.

أولًا:

اللغة العربية وعلومها:

فهل يمكن فهم معاني كلمات «الآية ٩٩»، و«الآية ١٤١»، دون الاستعانة بمراجع «اللغة العربية»، وبـ «منظومة التواصل المعرفي»؟!

يستحيل .. قولًا واحدًا.

والذين يقولون بغير ذلك هم «الملحدون»، الذين يريدون هدم أحكام القرآن، ونراهم يولّون الأدبار، أمام كل المنشورات التي تكشف عوراتهم الإلحادية.

فمثلا: هل في القرآن بيانٌ لمعاني هذه الكلمات، التي وردت في سياق الآيات «٩٩-١٤١»:

«النَّوَى» – «الإِصْبَاحِ» – «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ» – «قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ» – «أَعْنَابٍ» – «الزَّيْتُونَ» – «الرُّمَّانَ» – «يَنْعِهِ» – «وَخَرَقُوا لَهُ» – «أَفْئِدَتَهُمْ» – «زُخْرُفَ الْقَوْلِ» – «يَخْرُصُونَ» – «صَغَارٌ» – «الرِّجْسَ» – «ذَرَأَ» – «مَعْرُوشَاتٍ»

إن الذي لا يعلمه الجهلاء، وما أكثرهم، أن القرآن لا يحمل إلا «كلمات» فقط، لا معنى لها مطلقًا، إلا إذا التحمت بـ «مُسمّياتها» الموجودة خارج القرآن.

وإن «مُسمّيات» الكلمات، قد توارثها الناس من لدن آدم عليه السلام، عن طريق «منظومة التواصل المعرفي»، وتعلّموها في طفولتهم، وأصبحت لها صور ذهنية في قلوبهم.

ثم يأتي «الملحدون المسلمون» اليوم، ويضحكون على «الجهلاء» أمثالهم، ويقولون لهم:

إن القرآن لا يُفهم إلا بـ «لسان العرب»، فإذا ذهب المساكين يبحثون عن هذا «اللسان»، وجدوه قد انقطع من «لغلوغه»!!

ثانيًا: السياق القرآني

إن السياق الذي وردت فيه «الآية ٩٩» من سورة الأنعام يتحدث عن عقائد المشركين، وقد بدأ بقوله تعالى «الآية ٩٣»:

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ..»

إن الحديث عن «ملة الشرك»، ولذلك ذكر الله بعدها البراهين الدالة على «الوحدانية»:
«إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى..»

وحتى «الآية ٩٩»:

«وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ.. وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ..»

وفي ختام هذه الآية، بيّن الله أهمية تفعيل آليات النظر والتفكر والتأمل في المسائل الدقيقة «المُشْتَبِهات» المتعلقة بـ «آية النبات»، والتي قد تُحدث لبسًا عند الناس، فقال تعالى:

«انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

إن المقصود بالنظر «النظر العلمي»، و«الإيمان» هو القائم على «العلم»، لأننا في سياق الحديث عن الآيات الكونية.

ثم عاد السياق يخاطب المشركين كاشفًا عن عقائدهم الباطلة، فقال تعالى «الآية ١٠٠»:

«وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ…»

إذن فالذي يغلب على هذا السياق، هو الدعوة إلى النظر في المسائل الدقيقة «المُشْتَبِهَات» المتعلقة بدلائل الوحدانية، بالنظر والتأمل في «آية النبات»، فناسب أن يأتي بكلمة «مُشْتَبِهاً».

فإذا ذهبنا إلى كلمة «مُتَشَابِهًا»، التي وردت في «الآية ١٤١» من نفس السورة:

«مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ»

وتدبرنا السياق الذي وردت فيه، «من الآية ١٣٦»:

«وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا..»

إلى أن نصل إلى «الآية ١٤٠»:

«قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ»

نجد أن السياق هنا يكشف عن تلاعب المشركين بـ «أحكام الحلال والحرام»، بدعوى أنه لا فرق بينهما، أي أنها أمور «مُتَشَابِهٍ» مشتركة في الصفات، مثلما قالوا:

«إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا»، فبيّن الله أنهما غير متشابهين «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا».

لذلك رد الله المشركين مرة أخرى، «الآية ١٤١»، إلى دلائل الوحدانية، وإلى أصناف من «آية النبات» التي وردت في «الآية ٩٩»، فقال تعالى:

«وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ..»

ففي «الآية ٩٩» قال تعالى:

«انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ»

وفي «الآية ١٤١» قال تعالى:

«كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا»

ولما لم يطلب منهم في هذه الآية النظر والتأمل والتفكر في دقائق الأمور، وأباح لهم الأكل من ثمار هذه النباتات، لم يأت بكلمة «مُشْتَبِهاً» التي ناسبها سياق «الآية ٩٩»:

«.. وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ (مُتَشَابِهٍ)»

وجاء بما يُميّز «آية النبات» بوجه عام، من حيث التشابه وعدم التشابه، فقال تعالى:

«.. وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ (مُتَشَابِهًا) وَغَيْرَ (مُتَشَابِهٍ)»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى