طلب مني عمار العبسي ومن آخرين، أن نقوم بالتعقيب على ما نشره سهيل العبسي على حسابه، حيث قال:
«التفسير التاريخي لقصة سيدنا موسى مع قاتل الأطفال يريد مخترعوه إخبارنا أن قتل الغلام وخرق السفينة إنما حدث لكي يقتنع موسى عليه السلام بأن علمه محدود!! أرجو إعادة النظر في هذا التفسير الكارثي، والذي يمثل في حد ذاته إيذاءً لسيدنا موسى، في حين أن الله يحذرنا من ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا) قد يقول البعض إن سيدنا موسى هو الآخر قد قتل شخصاً، ولكن الفارق بينه وبين هذا المختل أنه اعترف بذنبه وطلب المغفرة من الله وقال إن هذا من عمل الشيطان، مع العلم أنه لم يتعمد القتل، فالوكزة باليد لا تعتبر قاتلة عادةً، أما هذا المجرم الذي قتل الغلام الصغير بدمٍ بارد فقد كابر وألصق التهم التي اقترفها بيديه بالله عز وجل، بل وصور لنا الأمر وكأن هذه الجرائم الشنعاء إنما تصب في مصلحة البشرية، وأنه تعالى أحب أبوي الغلام فابتلاهما بابنهما وأراد أن يعطيهما الأحسن!! هؤلاء المعاتيه نراهم كل يوم ولدينا في اليمن وفي بلادنا العربية الكثييييير منهم. انظروا ماذا قال (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) إن هذا النص لوحده يكفي ليثبت لنا أن الغلام كان قريباً لرحمه، وفيه خير لأبويه، ولكن هذا القاتل يريد من الله خيراً منه وأقرب رحما. إنه كمن يأتي ليقتل ولداً ثم يقول لوالده سيعوضك الله أحسن منه، والمكان الطبيعي لهؤلاء هو إما في السجون أو في مصحات الأمراض النفسية!! نعم هم ممن آتاهم الله العلم، ولكني أعوذ بالله من هكذا علماء، هؤلاء هم علماء الدجل الذين حذرنا الله منهم من خلال هذه القصة، حيث ختمها بقوله (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)، أدعو الله أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه».
وهذا تعقيبي على هذا المنشور:
يقول الله تعالى في سياق الحديث عن قصة موسى، عليه السلام:
* «فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً»
* «قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً»
* «قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً»
ثم بدأ الله يكشف لموسى، عليه السلام، من مسائل الغيب ما يجب على الناس جميعا، وهم يعيشون في عالم الشهادة، الإيمان به:
«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»
إن على الناس أن ينظروا إلى الأحداث، التي تقع أمامهم، بمنظار التسليم المطلق لله تعالى، لعل من ورائها حكمة لا يعلمونها، فتدبر
* «وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً»
نعم، كيف يصبر، وما سيكشفه الله لموسى من مسائل الغيب، على يد «عبد من عباده»، يستحيل أن يقبله عاقل، طبعا بمنظار عالم الشهادة، وما تحمله ذاكرته المعرفية من ضوابط السلوك الديني والأخلاقي؟!
لقد أراد الله أن يُعلّم موسى، والناس جميعًا، هذا الأصل الإيماني:
«انظروا إلى أحداث الدنيا باعتبار أن وراءها حكمة إلهية، وليس باعتبار الأسباب المادية فقط»
والآيات القرآنية التي تُبيّن هذا الأصل الإيماني الهام كثيرة، منها قوله تعالى:
«وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ»
لذلك قال «العبد» الذي اصطفاه الله ليعلم موسى هذا الأصل الإيماني:
«وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً»
هذا ما أعلمه عن سياق هذه الآيات، وأفهمه بأدوات الفهم التي حملها مشروعي الفكري.
ومما يجب أن ألفت نظرك إليه، سهيل العبسي أن القرآن عندما يخبرنا أن الله أرسل لموسى من يعلمه من علم الله «وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً» لا يصح أن تصف من اصطفاه الله بهذه الصفات:
«مع قاتل الأطفال – هذا المختل – هذا المجرم»
مع تحياتي
محمد السعيد مشتهري