إن ظاهرة «الإلحاد في أحكام القرآن» التي تتسع دائرة انتشارها يومًا بعد يوم على شبكات التواصل الاجتماعي، تُنذر بخطر عظيم يهدد مستقبل الأجيال القادمة، خاصة عندما يكون وراء هذا «الإلحاد» مسلمون لم يدخل الإيمان قلوبهم.
أولًا:
إن أول شروط الحصول على عضوية منظمة «الإلحاد في أحكام القرآن» أن تكون كافرًا بـ «اللغة العربية وعلومها»، حتى لا تكشف إلحادهم.
وكي يتم إقناعك بقبول هذه العضوية يقولون لك:
أليست اللغة العربية من كلام بشر، فلماذا تؤمن بكلام غير كلام الله، والله يقول لك:
«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ»
فأين فهمكم أنت وتدبرك لكتاب الله؟!
ومع أني نشرت على هذه الصفحة عشرات الموضوعات التي تثبت تهافت بدعة القرآن يبين نفسه بنفسه بمعزل عن «اللغة العربية وعلومها»، ولكن يبدو أن إرادة التحلل من أحكام القرآن قد أمسكت بقلوب المسلمين، فكفروا بالبراهين القرآنية «قطعية الدلالة» التي حملتها هذه المنشورات!!
فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بأحكام القرآن، عندما يقول الله في سياق بيان المحرمات من الأطعمة:
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ..»
١- فمن أين عرف المسلمون أن «الخنزير» هو الحيوان المعروف للعالم أجمع، وليس نوعًا من أنواع الطيور مثلا، هل في القرآن تفصيل أو صورة تُبيّن معنى هذه الكلمة؟!
فإذا قال هذا «الملحد المسلم»، ويجب أن يقول:
لم يتعلم المسلمون معنى كلمة «خنزير» من القرآن، وإنما من خارج القرآن، فيجب على الفور أن يقذفه المسلمون على قلب رجل واحد بكل أسهم «الجهل» التي عرفتها البشرية.
٢- وعندما يقول الله بعدها أن من المحرمات:
«وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ»
فهل في القرآن تفصيلٌ وبيانٌ لمعنى هذه الكلمات، وهل هي لحوم حيوانات أم طيور أم أسماك؟!
فإذا قال هذا «الملحد المسلم»، ويجب أن يقول:
قد تعلمها المسلمون من خارج القرآن، من مراجع «اللغة العربية»، ومن «منظومة التواصل المعرفي»، فيجب على الفور أن يقذفه المسلمون على قلب رجل واحد بكل أسهم «الجهل» التي عرفتها البشرية.
ثانيًا:
والشرط الثاني للحصول على عضوية منظمة «الإلحاد في أحكام القرآن» أن تكون مؤهلا للكفر بأحكام القرآن، حتى لا تكشف إلحادهم عندما يقولون لك:
إن «الصلاة» في القرآن تعني «بناء الصلة» بينك وبين ربك بالعمل الصالح والإحسان للناس قولا وفعلا!!
فإذا قلت لأحدهم:
من أين جئت بأن «الصلاة» تعني «الصلة»، وبالبحث عن الكلمة باستخدام الجذر «صلو»، نجد أنها وردت في السياق القرآني مئة مرة، ليس من بينها سياق واحد يُبيّن معناها، ومنها «٩٣» آية ورد فيها كل ما يتعلق بكلمات «الصلاة ـ صلاة ـ صل»، ولا تحمل بيانًا لكيفية أداء هذه الصلاة؟!
إذن فمن أي «مصدر معرفي» عرف المسلمون في «عصر التنزيل» ما هي هذه «الصلاة» التي أمرهم الله بإقامتها، وكيف يقيمونها؟!
نظر «الملحد المسلم» إليك نظر المغشي عليه من «الجهل» وولّى الأدبار!!
وعلى هذه الصفحة عدد «٢٢» منشور بعنوان «يعصون النبوة ويصلون على النبي»، عبارة عن دراسة قرآنية تثبت تهافت تعريف «الملحدين المسلمين» لمعنى «الصلاة»، وكانت تحديًا لهم، فولّوا جميعًا الأدبار!!
ثالثًا:
تعالوا نتدبر جيدًا سياق هذه الآية:
١- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ»
والسؤال لأهل التدبر:
ماذا يعني قوله تعالى في هذا السياق:
«تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ»
من بعد أي «صلاة»، وما هي هذه «الصلاة» أصلا، وأين كانت تقام هذه «الصلاة» التي كان يحضرها «المؤمنون» المخاطبون بأحكام هذه الآية؟!
فيا أيها «الملحدون في أحكام القرآن»:
هل هناك في القرآن، الذي قال الله إنه «تِبْيَان لِكُلِّ شَيْءٍ»، بيانٌ لموضوع هذه الآية، ولماهية هذه «الصلاة»، التي بعد تأديتها يُحجز الشاهدان للإدلاء بأقوالهما في موضوع وصية الميت؟!
نظروا إليك نظر المغشي عليهم من «الجهل»، وولّوا الأدبار كعادتهم!!
إن المشهد الذي يعبر عنه سياق الآيتين يستحيل فهمه من داخل القرآن، واذهبوا إلى هؤلاء «الملحدين»، وضعوا هذه الآيات على حساباتهم، وقولوا لهم من فضلكم بيّنوا لنا معناها من داخل القرآن، وانتظروا النتيجة!!
فإذا لم يُبيّنوا فاقذفوهم بكل ما تملكون من سهام الإنكار والغلظة في القول، لأنهم «منافقون»، «ضالّون مضلّون»، يتبعهم عشرات «المساكين» التابعين لهم بغير علم!!
وليس المقام مقام بيان لمعنى هذه الآيات، وإنما بيان موقع «الصلاة» في هذا السياق، لأنها هي موضوعنا.
إن المشهد الذي أمامنا لشخص مريض أو أصابه حادث، وشعر أنه على وشك الموت، فأراد أن يوصي بشيء، فعليه أن يأتي باثنين من المؤمنين ليشهدوا على وصيته، فإن لم يجد فمن أي ملة أخرى.
ثم يأتي الشاهدان إلى المسجد، «حيث الصلاة الجامعة»، ويتم حجزهما في مكان مخصص لذلك «للإدلاء بالشهادة» أمام جموع المصلين، ومن بينهم أقارب الميت، ويقسمان أنهما لا يشهدان إلا بالحق الذي أوصى به الميت.
إن هذه الآية من البراهين القرآنية «قطعية الدلالة» على وجوب «صلاة الجماعة»، هذه «الصلاة الجامعة» التي لم يُرخص الله للمسلمين أن يُصلّوها فرادا في أصعب الظروف، «وقت الحرب»، فتدبروا:
«وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ (فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ)»
«فَإِذَا (سَجَدُوا) فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ»
«وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ)»
«فَإِذَا (قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ) فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ»
«فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً»
الآن تستطيعون أن تقذفوا «الملحدين المسلمين» بسهام «الجهل» وأنتم على علم، ولا تبالون بمن هم على شاكلتهم، الذين سيقولون لكم:
«ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»
«وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»
لأن هؤلاء «الملحدين» كفروا بالقرآن، ولم يدخل الإيمان قلوبهم، والله يقول لرسوله:
«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»
والبرهان قطعي الدلالة على كفرهم ونفاقهم، أنكم لن تجدوا أحد منهم أعلن توبته، بعد كل هذه البراهين القرآنية التي حملتها عشرات المنشورات على هذه الصفحة.
محمد السعيد مشتهري