«لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ»
لقد ورد جذر كلمة «لغو» في السياق القرآني على النحو التالي:
١- «لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ» (مرتين، في البقرة والمائدة)
أي لا يؤاخذكم الله بـ «الأيمان» التي لا تقصدون حقيقتها، ولا يُعتد بها، أي أن الحديث عن «كلام عربي» ينطق به «لسان العرب»، ولكنه كلام باطل.
٣- «وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»
إن من أسباب فلاح المؤمنين، إعراضهم عن «الكلام» الذي لا خير فيه، ولا جدوى منه ولا فائدة، والذي ينطق به لسانهم العربي، فالكلام العربي، كأي كلام تنطق به شعوب العالم، يحمل الحق والباطل، اللغو وغير اللغو.
٤- «وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً»
نلاحظ أن «عباد الرحمن» لا يمرّون بذات «اللغو»، وإنما بأصحابه المتلبسين به، أي أنهم عندما يمرون على قوم تنطق ألسنتهم بـ «كلام عربي» باطل، لا وزن له في دينهم، فإنهم يُنَزّهون أنفسهم عن المشاركة فيه.
٥- «وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ»
وهؤلاء أيضا إذا سمعوا من تنطق ألسنتهم بـ «كلام عربي» باطل، فإنهم يُعرضون عنه وعن أصحابه.
٦- «لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ»
إن قوله تعالى: «وَالْغَوْا فِيهِ»، يُبيّن أن «اللغو» يتعلق بالقرآن، وذلك عن طريق «الإلحاد في آياته»، بـ «كلام عربي» باطل، يصرف الناس عن معناها الصحيح، كما يحدث اليوم.
٢- «لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً»
إن استثناء السلام، «إِلاَّ سَلاَماً»، من اللغو «لَغْواً»، يُبيّن «أن اللغوَ كلامٌ»، ولكنه كلامٌ لا يحمل لأهل الجنة إلا «السّلام».
٧- «يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ»
إن الحديث عن شراب الجنة، وبيان أنه لا يُذهب العقول، كخمر الدنيا، وأن الكلام الذي يصاحبه لا يحمل هوسًا أو هذيانًا، أو سبابًا ونحو ذلك.
٨- «لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً»
٩- «لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً»
١٠- «لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً»
إن أهل الجنة لا يسمعون «كلامًا» باطلا، ولا هذيانًا دون تعقل أو تفكير، ولا «كلامًا» لا فائدة منه ولا جدوى.
لقد انتقل أهل الجنة إلى دار الحق المطلق، فلا ينطقون إلا بالحق، فلم تعد لـ «العشوائية الفكرية» وجود، ولا لـ «الكلام المرسل» الذي لا فائدة منه.
وبتدبر الآيات السابقة، نعلم أن كلمة «لغو» في السياق القرآني، لا تُفهم دون الاستعانة بـ «علم البيان»، أي بالمجاز، والتشبيه، والاستعارة..، أي لا تُفهم دون الاستعانة بعلوم «اللغة العربية».
إن «اللغات» التي تنطق بها «ألسن» شعوب العالم، تحمل الحق والباطل، وفيها «اللغو» وغير «اللغو»، وكذلك الحال مع «اللغة العربية» التي كان ينطق بها «لسان العرب».
فلا شك أن «الكلام العربي» الذي نطق به لسان الكافرين والمنافقين والمشركين، كان يحمل «لغوًا»، ولكن من قال إن الكلمات المستخدمة في هذا «اللغو» لم تكن كلمات عربية فصيحة، تحمل أساليب البلاغة والبيان التي استخدمها القرآن، الذي لم يستطيعوا أن يأتوا بسورة من مثله؟!
إن ورود كلمة «اللغْو» في السياق القرآني ليس معناه أن «الكلام العربي» الذي نطق به «لسان العرب» كان كله «لغوًا» كيف والله يقول:
«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
لقد أنزل الله القرآن بـ «الكلام العربي»، الذي كان ينطق به «لسان العرب»، ولكنه «الكلام العربي» الذي لا «لغو» فيه، لا «ريب» فيه:
«ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ»
لذلك فإن عدم وجدان كلمة «لغة» في السياق القرآني، ليس دليًلا على عدم استخدام العرب لها، فالله عندما تحدّث عن الكلام الذي كان ينطق به «لسان العرب»، والذي نزل به القرآن، لم يتحدث عن «ماهية» هذا الكلام، وأنه بـ «لغة عربية»، وإنما تحدث عن «الآية» التي تنطق بهذا الكلام، وهي «اللسان»، الذي تتكلّم به شعوب العالم، فتدبر:
«وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ»
محمد السعيد مشتهري