إن الفرق بين «اللغة» التي كان ينطق بها «لسان العرب» قبل نزول القرآن، و«اللغة» التي نطق بها «لسان القرآن» وفهمها العرب وقت نزول القرآن، أن «لسان القرآن» حملت كلماته من المعاني ما عجز ويعجز العرب عن الإتيان بمثلها كما وردت في سياقها القرآني.
لقد فهم العرب كل كلمة من كلمات القرآن، ولكنهم عجزوا عن صياغة جمل قرآنية واحدة تحمل دلالات هذه الكلمات في سياقها القرآني، لقد كان بناء الجملة القرآنية معجزًا لهم، فكيف بغير العرب أهل «اللسان العربي»؟!
ولذلك يستحيل أن تأتي ترجمة القرآن إلى أي لغة من لغات العالم بنفس «دلالات» الكلمات التي أراد الله أن تصل للعالمين، وهنا يتحمل «المسلمون» المسؤولية كاملة في عدم تعليم الناس «لغة القرآن».
ولكن، كيف يُعلّمون الناس «لغة القرآن»، وهم أصلًا في أشد الحاجة إلى من يُعلّمهم، ليس «لغة القرآن»، وإنما كيف يكتبون جملة عربية صحيحة، مع غض الطرف عن أبنائهم الذين لا يعلمون كيف ينطقون بجملة عربية مفيدة؟!
إن المسلمين يعلمون أن القرآن «كلام الله»، وأن الله هو الذي يخاطبهم بكلمات القرآن، وأن «دلالات» هذه الكلمات تنطلق من قاعدة علم الله المطلق، «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»، الأمر الذي يقتضي أن يقف المسلمون جميعًا على هذه الدلالات بتعلم:
أولا:
«لسان القرآن» الذي خاطب الله به العرب، وحملته مراجع «اللغة العربية» إلى الناس جميعًا.
ثانيا:
«علم البيان» الذي حملته «الجمل القرآنية»، حسب أساليب العرب البلاغية.
ثالثا:
«علم السياق» الذي يستحيل «تدبر القرآن» بمعزل عنه، ولا بمعزل عن آليات عمله، آليات التدبر والتعقل والتفكر، الأمر الذي يستلزم الوقوف على القواعد التي يقوم عليها هذا العلم.
إن هذه «الثلاثية» هي المؤهلات «الشخصية» التي يجب أن يحملها من أمرهم الله بالشهادة على الناس:
«لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»
فلماذا تخلى المسلمون عن مهمة «الشهادة على الناس»؟!
وهل منظومة «الترف الفكري» التي يعيشون بداخلها منذ قرون مضت هي التي ستعيد لهم خيرتهم وشهادتهم على الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور؟!
ما هذا «التغييب العقلي» الذي يعيش بداخله المسلمون؟!
وعلى فرض أنهم اليوم استيقظوا من سباتهم، وأرادوا أن يقيموا الشهادة على الناس، فبأي لغة من لغات العالم يُحقّقون ذلك، ومعلوم أن أول الطريق هو بيان حقيقة «الوحدانية»؟!
إنه لا توجد لغة تستطيع بيان حقيقة «الوحدانية» إلا «اللغة العربية»، فكيف نقيم الشهادة على الناس بغير «اللغة العربية»؟!
فلو أردنا الحديث عن «الله» مع الناطقين باللغة الإنجليزية، فإننا نستخدم في حديثنا كلمة «God»، وهذه الكلمة في لغتهم يمكن جمعها «Gods»، ويمكن تأنيثها «Goddess».
وهذا يستحيل أن يكون هو ما يريد الله إيصاله للناس عن معنى كلمة «الله»، لذلك نرى البعض يستخدمون كلمة «Allah».
إذن فنحن أمام إشكالية كبيرة تتعلق بتخلي المسلمين عن مسؤوليتهم في الشهادة على الناس، وعن إخراجهم من الظلمات إلى النور!!
لقد تخلى المسلمون عن بيان حقيقة «الوحدانية» للناس، بـ «لسان القرآن»، وتخلوا عن بيان حقيقة «دين الإسلام» بـ «لسان القرآن»، وليس بألسن الشعوب المختلفة.
إننا يمكن أن نُقرب حقائق «دين الإسلام» إلى هذه الشعوب بألسنتها، واعتبار ذلك نظرة سطحية، ولكن يستحيل أن نقول إننا قد بَيّنا هذه الحقائق بدلالاتها البلاغية الدقيقة المحكمة.
أشعر وأنا أطلع على ما ينشر على الشبكة من موضوعات دينية، «سلفية وقرآنية وعصرية..»، أن أصحاب هذه المنشورات لا يعلمون شيئًا عن بعثة النبي الخاتم محمد، وأن الله حذر «الذين آمنوا» معه من التفرق في الدين!!
أشعر أن أصحاب هذه المنشورات قد ارتدوا عن «دين الإسلام» ويعيشون في جزيرة منعزلة عن «المؤمنين» الذين خاطبهم الله بـ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»، الذين أقاموا مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»!!
لقد تحول دين «الإسلام» إلى دين «المنشورات»، وتحول مجتمع «الإيمان والعمل الصالح» إلى مجتمع «النفاق والترف الفكري»!!
وللكعبة رب يحميها يا «أهل القرآن»!!
محمد السعيد مشتهري