نحو إسلام الرسول

(905) 2/10/2017 «النسيء» و«التقويم» وجهان لـ «جاهلية» واحدة

استكملا لمنشور الأمس، تعالوا نسير مع المحاور الرئيسية لبحث «عبد الرحمن قدور» خطوة خطوة.

أولا:

يقول: «وحتى تصل الفكرة لعامة الناس سأحاول أولاً شرح الفرق بين السنتين الهجرية والميلادية، وما يترتب على هذا الفرق من عدم ثبات أشهر السنة الهجرية بشكل موازٍ لفصول السنة»

أقول:

ومن قال للباحث إن أشهر السنة الهجرية يجب أن تكون ثابتة كي تسير بشكل موازٍ لفصول السنة؟!

كان يجب، حسب أصول البحث العلمي، أن يقيم هذا الفرض على برهان «قطعي الثبوت» عن الله تعالى، ويقول بعد ذكر هذا الفرض:

وذلك لقول الله تعالى..، ويذكر الآيات، ولكنه لم يفعل!!

ثانيًا:

وبما أن الباحث لم يذكر في مقدمة بحثه البراهين قطعية الثبوت عن الله تعالى، الدالة على وجوب تطابق السنة الهجرية مع السنة الميلادية، وبالتالي تكون الفصول والمواسم متطابقة..، فلن يُقبل هذا البحث إذا قدّمَه لهيئة علمية لمناقشته.

وعليه فلا جدوى من مناقشة كل ما ذكره الباحث بعد ذلك من حسابات وروايات وغزوات، ولا لخطة البحث التي وضعها، لأن المقدمات عندما تكون خاطئة، تأتي كل النتائج خاطئة.

ولكن يهمني الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية تتعلق بإقحام مرجعية «النص القرآني» في البحث، دون تفعيل حقيقي لها، بما يوافق قول الباحث في خطة البحث:

«اتبعت في بحثي هذا الطريقة الاستقرائية لوقائع التاريخ المثبتة والموثقة بشكل صحيح في كتاب الله»

فتعالوا نرى متى ذكر الباحث «نصًا قرآنيًا» وقال إن ما ذكره من روايات، أو غزوات، أو حسابات..، يؤكد ما جاء به هذا النص القرآني؟!

ثالثًا:

يقول في سياق حديثه عن غزوة بدر:

«ورحلة قريش إلى اليمن وبلاد الشام موثقة قرآنياً بقوله تعالى:

«لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ»

وهذا خطأ منهجي، فهذه الآية لم تذكر عن رحلتي اليمن والشام شيئًا، ومرجع ذلك كتب التفسير، وكتب التفسير لم تُجمع على هذه المعلومة!!

فمنهم من قالوا:

إن المراد رحلة الناس إلى أهل مكة، فرحلة الشتاء والصيف عمرة رجب وحج ذي الحجة، لأنه كان أحدهما شتاءً والآخر صيفاً، وموسم منافع مكة يكون بهما، ولو كان يتم لأصحاب الفيل ما أرادوا، لتعطلت هذه المنفعة.

إذن فرحلتي الشتاء والصيف «لم توثق قرآنياً» كما ادعى الباحث، وإنما توثيقها جاء عن طريق أمهات كتب التراث الديني لفرقة أهل السنة والجماعة، وحولها خلاف!!

وهذا ما كان يجب على الباحث أن يذكره في مقدمة بحثه، أنه سيعتمد في بحثه على أمهات كتب فرقة «أهل السنة والجماعة»، هذا إذا كان يريده بحثًا علميًا.

رابعًا:

يذكر الباحث قول الله تعالى:

«فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ»

ثم يقول:

«قد أجمع المفسرون والفقهاء كلهم على أن المقصود بهذه الآية هم المتخلفون عن غزوة تبوك، وهذه الآية تؤكد أن غزوة تبوك كانت في شدة الحر»

أقول:

إن الآية لم تذكر كلمة «تبوك»، ومرجعية ذلك كما ذكر الباحث هي:

«قد أجمع المفسرون والفقهاء»

وهنا أضيف إلى ما قلته في الآية الأولى:

كان على الباحث أن يذكر في مقدمة بحثه، أن «إجماع المفسرين والفقهاء» حجة في دين الله!!

خامسًا:

يقول: «الآن وبعد استبعاد امكانية تحريم التقويم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتبقى لدينا إشكالية فهم بعض الآيات القرآنية الواردة في سورة التوبة، يقول تعالى في الآية «٣٧» من سورة التوبة:

«إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»

ثم يقول:

«المشكلة الحاصلة في فهم هذه الآية هي اعتبار أن «التقويم» هو «النسيء» المقصود في هذه الآية»

ثم نتدبر جيدًا ماذا قال بعدها:

«فالتقويم لُغَةً يَعني تعديل اعوجاج الشيْ وإعادته للأصل الذي كان عليه، فتقويم الأسنان مثلاً… وتقويم السنة الشمسية يكون بإضافة يوم واحد على شهر فبراير كل أربع سنوات كي لا يحصل انزياح في فصولها على مدار الزمن»

فانظروا إلى عين «المنهجية العشوائية» عندما تلبس لباس البحث العلمي!!

إن كلمة «النسيء» قد وردت في هذه الآية، فهل وردت أيضا كلمة «التقويم» حتى يقيم الباحث مقارنة بينهما؟!

إن كلمة «تقويم» لم ترد في القرآن كله، فعلى أي أساس «منطقي»، ثم «علمي»، قبل الباحث أن يعقد مقارنة بين الكلمتين، ويقول:

«وأما النسيء المقصود في هذه الآية فهو التأخير بغية التلاعب»

فهل أمرنا الله أن نعقد مقارنة بين معنى «النسيء» الذي ورد في كتابه، وبدعة «التقويم» التي لا محل لها من الإعراب في هذه الآية؟!

وطبعا كان من الطبيعي أن تسفر المقدمات الخاطئة عن نتائج خاطئة، فانظروا ماذا قال بعد ذلك:

«مما سبق نستنتج أن «النسيء» هو الشكل المُحَرَّمُ «للتقويم»، وليس تحريم التقويم بحدِّ ذاته»

ألم أقل لكم عين «المنهجية العشوائية»؟!

كيف يقيم الباحث استنتاجاته على «وهم» لا وجود له أصلا في كتاب الله، ثم يقارنه بـ «حق» في كتاب الله؟!

إن هذه الفقرة الأخيرة لو كُتبت في رسالة «ماجستير» لمنعت لجنة المناقشة مناقشة الطالب في أي رسالة له بعد ذلك لعدة سنوات، حتى يتعلم كيف يكتب بحثًا علميًا.

وأيضا عندما تكون المقدمات خاطئة لابد أن تسفر عن نتائج خاطئة، فانظروا ماذا قال عن الآية «٣٦» من سورة التوبة:

«حيث اعتبر البعض أن الله قد حصر عدد أشهر السنة باثني عشر شهراً لا تزيد ساعةً ولا تنقصُ أخرى، مُتناسين أن مَفهوم (العِدَّة) قرآنياً لا يعني الحصر الدقيق وانما التقريبي، فالعدة قرآنيا هي مجموع ما يعد على وجه التقريب لا على وجه الدقة»!!

ثم ذكر الباحث أمثلة على معنى «العدة»، لا علاقة لها مطلقًا بما ذكره الله عن عدة الشهور القمرية!!

وهذا ما سأبيّنه في المنشور القادم، ولعله يكون الأخير

ملاحظة:

أنصح الأصدقاء بالاطلاع على تعليقات Frank Trueman الموجودة على بحث «عبد الرحمن قدور»، على حسابه بتاريخ «١٣ مايو ٢١٠٧»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى