في «٧ /٤/ ٢٠١٧»، وتحت عنوان «سأكتفي بـ النهي عن المنكر»، قلت:
«لقد قررت أن أعلن توقفي عن الكتابة، وذلك بعد نشر مبادرة نحو إسلام الرسول، إلى أن أقيم أو أجد مجتمع الإيمان والعمل الصالح، ففيه سأشعر أن ما أكتبه ينطلق من قاعدة إيمانية صادقة».
وقلت:
«كيف ترى المنكر، أو يصل إليك، ولا تنهى عنه، وقد لَعَنَ الله قومًا كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه:
«لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ».
فعلا:
«لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» بالأمس.
ولبئس ما يفعلون اليوم:
ونحن نرى المنكرات «قطعية الدلالة» حولنا، وفي بيوتنا، وبين أيدي أولادنا الذين نعرضهم للإصابة بالسرطان بسبب الاستخدام المفرط للتكنولوجيا المحمولة، حسب ما أفادت أحدث الدراسات الأمريكية.
تذكر: إذا غاب «الإيمان» فلا «أمان»
لذلك قلت في ختام المنشور:
«لقد قررت، من باب النهي عن المنكر، وإلى أن يُنعم الله علينا بالحياة في نموذج لمجتمع الإيمان والعمل الصالح، أن أكتفي بالرد على الشبهات التي يثيرها أصحاب بدعة القرآن وكفى، وأرجو من الأصدقاء التوقف عن الإعجاب بهذا المنكر».
إن هذه المقدمة أخاطب بها الأصدقاء الذين لا يعلمون هذا القرار، والذين يزورون الصفحة «ترانزيت»، والذين يعترضون على أسلوبي الغليظ، وذكري لأسماء الذين أكشف للناس منكراتهم، هؤلاء جميعًا أقول لهم:
إن «المنكر»، الذي أقصده، هو ما ينكره «قلب» المؤمن المسلم، الذي درس القرآن، وتدبر آياته، ويعلم كيف يستنبط أحكامها، ويغضب عندما ينتهك أحد ما حرمه الله.
إن الإحساس بـ «الغضب»، وشدته وثورته..، يتوقف على طبيعة الشخص وتكوينه النفسي، وتربيته الدينية، وكيف ينظر إلى الحرام، وكيف يتعامل معه، فهذه مسألة نسبية، أرجو من الأصدقاء مراعاتها.
إنني أغضب غضبًا شديدًا عندما أجد الملحدين في أحكام القرآن يريدون إعادة بدع الجاهلية الأولى إلي القرن الواحد والعشرين، بعد أن اقتلعها القرآن من جذورها.
فيأتون بـ «ملك اليمين» ويُلبسونه لباسًا جديدًا لإباحة العلاقات الجنسية المحرمة، ويأتون بـ «النسيء» ويُلبسونه لباسًا جديدًا لهدم منظومة «الشهور القمرية» ومواقيتها، ويأتون بـ «صلاة» عبدة الأوثان ويُلبسونه لباسًا جديدًا لهدم هيئتها ومواقيتها وعددها وعدد ركعاتها.
عندما يقول الله تعالى:
«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»
فلتخرس ألسنة المشككين في أحكام هذا «الدِّينُ الْقَيِّمُ»، الكافرين بالله وبالقرآن، الذين لا يعلمون معنى «ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»!!
فهل يُعقل أن يترك الله دينه القيم للبشر، يتلاعبون بكلماته ومسمياتها، فلا يعلم الناس الفرق بين الشمس والقمر، ولا بين الشجرة والنخلة، ولا بين البحر والنهر..، إلى آخر ما حفظته للناس «منظومة التواصل المعرفي»؟!
كيف يأمر الله رسوله أن يقول:
«قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ»
ثم لا يجد الناس أي معالم لهذا الدين القيّم، بعد أن تعهد الله بحفظها؟!
فلتخرس ألسنة المشككين في أحكام هذا «الدِّينُ الْقَيِّمُ»، الذين لا يعلمون الفرق بين قوله تعالي:
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ – وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»
وقوله تعالى:
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً – وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»؟!
هل قال الله تعالى الأولى أم الثانية؟!
إذن فعندما تأتي كلمة «الذكر» في سياق تعهد الله بحفظ «الكتاب»:
«ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ»
وحفظ «القرآن»:
«قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»
فهذا معناه أن «النص المكتوب»، والذي هو نفسه «النص المقروء»، يستحيل فهمه ولا «تذكره» بمعزل عن مقابله الكوني، «مسمّاها».
فما قيمة حفظ «كلمات» القرآن دون حفظ «مسمياتها» الموجودة خارج القرآن، وهل يمكن أن «يتذكر» الإنسان «كلمة» لم يشاهد «مُسمّاها» في حياته؟!
إن «الأشهر القمرية» محفوظة بحفظ الله للنص القرآني إلى يوم الدين، وعلى هذا الأساس أقمت «مشروعي الفكري».
إنني أتعامل مع «الآيات القرآنية» من منطلق تفاعلها مع «الآيات الكونية» في الآفاق والأنفس، وعلى أساس إقراري وإيماني أنها محفوظة بحفظ الله «عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ».
فمثلا:
إذا نظرنا إلى الخلافات القائمة بين أصحاب بدعة «النسيء»، والتي هي أساس بدعة التشكيك في مواقيت «الشهور القمرية»، ومدى التخبط والعشوائية التي ظهرت في الحسابات والقوائم التي وضعوها لمحاولة إثبات صحة بدعتهم، نعلم حقيقة قوله تعالى:
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ – وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»
لقد كتب الصديق يوسف أحمد جباعته منشورا بعنوان:
«في أي فصول السنة صام النبي الكريم رمضان»
بهدف التشكيك في هذه المنظومة الفلكية التي قامت عليها عدة «الشهور القمرية»، التي وضعها الله «يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» و«مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ»، «ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ».
ولقد اتبع الصديق نفس منهج أصحاب هذه البدعة، إلا أنه ذهب يُدعم بدعتهم برواية من روايات «أهل السنة»، ولا أظن أن «نيازي عز الدين» الذي أحيا هذ البدعة، بعد أن اقتلعها القرآن من جذورها، لا أظن أنه كان سيوافقه على تدعيم بدعته برواية من «الروايات»، ويا ليتها رواية «صحيحة»!!
صحيح أني كفرت بما يُسمى بعلم «الحديث»، إلا أني تعلمت أصوله وفروعه، وكان ما تعلمته كافيًا للكفر به.
فعندما يقول الصديق:
«لو نظرنا في موقع موسوعة الحديث، الدرر السنية، وهو بالمناسبة موقع عملاق وجهد كبير لمن وضعه..»
علينا أن نتوقف عند قوله:
«موقع عملاق وجهد كبير لمن وضعه»
وعندما يقول بعدها:
«أنا وجدت حديثًا واحدًا فقط …»، ثم ذكر نص الحديث التالي:
«عن أنسٍ رضيَ اللهُ عنه قال مطرتِ السماءُ برَدًا فقال لنا أبو طلحةَ ناوِلوني من هذا البرَدِ فجعل يأكل وهو صائمٌ وذلك في رمضانَ فقلتُ أتأكلُ البَرَدَ وأنت صائمٌ فقال إنما هو بَرَدٌ نزل من السماءِ نطَهِّرُ به بطونَنا وإنه ليس بطعامٍ ولا بشرابٍ فأتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخبرتُه ذلك فقال خُذْها عن عمِّك»
علينا أن نتوقف أيضا عند هذه الرواية غير المنطقية!!
وقبل أن أستكمل حديثي، أبيّن معنى كلمة «البَرَد»:
فـ «البَرَد»: قطع الثلج الصغيرة جدًا، التي تسمى «حَبُّ المُزْن»
ثم عندما يقول بعد هذه الرواية:
«على ماذا يدل هذا؟! هذا يدل على أن النبي الكريم كان يصوم…»
هنا علينا أن نتوقف لسبب منهجي يتعلق بـ «علم الاستدلال»، بصرف النظر عن كل ما قاله بعد ذلك.
فلا يصح مطلقا أن يقول «هذا يدل..»، إلا بعد الرجوع إلى «أهل الحديث» الذين أعلى من قدرهم وجهودهم وقال: «موقع عملاق وجهد كبير لمن وضعه» ليقف على مدى صحة هذه الرواية!!
ولا أظن أن الصديق لم ير المصدر الذي جاء بهذه الرواية والمذكور أسفلها، وهو «شرح مشكل الآثار، للطحاوي».
فلماذا لم يتوقف الصديق يوسف عند:
١- أن مصدر هذه الرواية كتاب اسمه «شرح مشكل الآثار»، وذهب إلى الكتاب ليعلم لماذا حملت هذه الرواية «مشاكل»؟!
٢- أن أنس استنكر ما فعله أبو طلحة وهو صائم، فلماذا لم يذهب إلى شرح الرواية ليعلم لماذا حدث هذا الاستنكار؟!
٣- أن المحدث ذكر بعد الرواية مباشرة «حكمها»، وقال عن الراوي «علي بن زيد» ليس من أهل الثبت في الرواية، أي أنها رواية ضعيفة، فلماذا استدل بها؟!
٤- أن كتب العلل أجمعت على عدم صحة هذه الرواية مطلقا، بل وقالوا إنها «موضوعة»، وليست فقط ضعيفة، وملخص قولهم:
إنه لو صحت هذه الرواية لكان معنى هذا أن من أكل «البَرَد» في رمضان صح صيامه، اقتداءً بأبي طلحة، وهذا مما لا يقول به مسلم، لأنه من غير المعقول أن الصائم لا يفطر إذا أكل الثلج «المجروش» استنادا إلى رواية موضوعة!!
فهذا مثال لما أسميه في منشوراتي بـ «العشوائية الفكرية»، ويلقى اعتراضًا من الأصدقاء.
إن الصديق يوسف لو بذل جهدًا علميًا قبل أن يُسوّد منشوره بهذه الرواية ليدافع عن «منكر» فعلوه في الجاهلية، ويريدون إحياءه اليوم، لسكت عن الكلام، وكان هذا أفضل له، ولمن أعجبوا بمنشوره!!
محمد السعيد مشتهري