«المنهجية العلمية» وموقفها من مرجعيات «التراث الديني»
من داخل منظومة «الفكر الإسلامي»، وعلى مائدة تراثها الديني ومرجعياته، ظهر المجدّدون، وأدعياء النُبوّات، والقرآنيّون، وأصحاب القراءات القرآنية العصرية والمستنيرة.
ولقد ظلّوا جميعًا عاكفين على تراث هذه المائدة، بين مقدس له، وناقد أو ناقض، ومن يطالب مؤسسته الدينية بتنقية ما على هذه المائدة من تراث باطل، وهم لا يعلمون أن ما آتاه الباطل لا يؤخذ منه دين إلهي!!
فلماذا تُجهدون أنفسكم، وتدخلون السجون، من أجل نقد أو نقض شيء لا وجود له أصلا في دين الله؟!
ولقد ظلّوا على اعتكافهم، ولم يغادر منهم أحد هذه المائدة، إلى يومنا هذا!!
أولًا:
إن «تديّن المسلمين»، الذي تشهد به منظومة «الفكر الإسلامي» وشبكات التواصل الاجتماعي، «تديّنٌ» لا هوية له، ولا معالم تحدده، بجميع توجهاته الدينية، والضحية:
«الجيل الجديد»
لقد خرج «الجيل الجديد» إلى هذه الدنيا «يتيم التربية»، لا «أب» يَعْلَم ما هو «الإسلام»، ولا «أم» تعلم ما إذا كان زواجها من «الأب» صحيحًا أم باطلًا، من منطلق الواقع العشوائي الذي تعيش الزواج بداخله منظومة، وليس من منطلق «ما يجب أن يكون» الذي يهرب منه المسلمون!!
لقد خرج «الجيل الجديد» إلى هذه الدنيا «يتيم العلم»، باستثناء العلم المدرسي الذي يتبخر فور انتهاء العام الدراسي، فكان من السهل أن تخترق القراءات القرآنية الإلحادية قلوب هذا «الجيل الجديد»!!
إن «الجيل الجديد» لا يعلم عن مفهوم «الوحدانية» شيئًا، ولا عن علم «تدبر القرآن»، لذلك نراهم سعداء يستمتعون وهم يأكلون ثمار شجرة «الإلحاد»!!
ثانيًا:
ومن «الجيل الجديد» من لا يؤمنون برسول الله محمد، بدعوى أن الإيمان به ليس شرطًا لدخول الجنة، فقد علّمُوهم أن مفتاح «دخول الجنة» موجود في قوله تعالى في سورة البقرة «الآية ٦٢»، وليس فيه الإيمان بمحمد:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
وفي قوله تعالى في سورة المائدة «الآية ٦٩»:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
ولأنه جيلٌ يجهل اللغة العربية وعلومها، ويجهل «علم السياق»، كان من السهل إقناعه بأن الله وعد هذه الملل المختلفة، أن من يؤمن منهم بـ «اللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً» سيدخل الجنة، لأن الله يقول:
«فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
وقد قال الله عن أهل الجنة:
«أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
ولم يشترط الإيمان برسول الله محمد واتباع كتابه
ثالثًا:
فتعالوا نجعل قولهم هذا مثالا على غياب «المنهجية العلمية» عن قلوب أتباع القراءات القرآنية الإلحادية، وأنهم أقاموا مقدماتهم على «جهل»، فكانت النتائج «جهول»!!
فمن أين جاؤوا بهذه المقدمات، وكيف وصلوا إلى هذه النتائج؟!
يقول الله في سورة البقرة، «الآية ٦١»، في سياق بيان كيف قابل بنو إسرائيل نعم الله بالكفر، فاستحقوا الذلة والمسكنة والغضب:
* «.. وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ..»
ثم قال تعالى بعدها الآية «٦٢»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ…»
ثم يستكمل السياق الحديث عن بني إسرائيل فيقول الله بعدها «الآية ٦٣»:
* «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ..، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ..، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ..»
وهنا تظهر أهمية «المنهجية العلمية» في التعامل مع «السياق القرآني»، وكيف نفهم «توجيه الضمائر» في هذا السياق؟!
رابعًا:
لقد جاءت الآية «٦١» تنقل لنا ما كان يحدث في عصر موسى عليه السلام وكذلك الآية «٦٣»، التي يستحيل أن نفهم منها أن الخطاب للمعاصرين للنبي، فتدبر:
«أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ..»
إذن فالآيات نزلت تخاطب «ذرية بني إسرائيل» المعاصرين للنبي كأنهم هم الذين أخذ الله منهم الميثاق، ورفع فوقهم الطور، وقد بدأ سياق هذا الخطاب من الآية «٤٠»، وقوله تعالى:
«يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ… وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ..»
لقد أمر الله «بَنِي إِسْرَائِيل» الإيمان بما أنزله على رسوله محمد، وقال لهم «وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ»، فكيف يأتي في الآية «٦٢» ويقول لهم ستدخلون الجنة إن شاء الله حتى وإن لم تؤمنوا بمحمد؟!
إن الآية «٦٢» جاءت وسط الآيتين «٦١، ٦٣» لتضع القاعدة العامة التي سيُحاسب على أساسها أتباع الرسل يوم القيامة، سواء «الَّذِينَ آمَنُوا» بمحمد، أو الذين آمنوا بموسى في عصره «الَّذِينَ هَادُوا» …، وتقول لهؤلاء الذين آمنوا «لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ».
خامسًا:
فإذا استكملنا سياق قصة بني إسرائيل، وكيف كانوا يفترون على الله ورسله الكذب، نجد أن الله يُبيّن ميزان الحساب في الآخرة بقوله تعالى «الآية ٨١ -٨٢»:
«بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
فمن هم «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»؟!
إنهم الذين آمنوا بالرسل «كلٌ في عصره»، وبالنبي محمد، كما بيّنت الآية «٤٠» من سورة البقرة.
فإذا استكملنا تدبر سياق الآيات، نصل إلى الآية «٩٩» الدالة على وجوب الإيمان برسول الله محمد:
«وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ»
ثم تأتي الآية «١١١» قطعية الدلالة، تثبت تهافت القراءات القرآنية الإلحادية، التي توظف القرآن لخدمة هواها، وللضحك على عقول التابعين أدعياء العلم، فيقول الله تعالى:
«وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»
سادسًا:
فيا أدعياء العلم:
هل نحذف هذه الآية القرآنية حتى لا تنكشف عوراتكم الفكرية الإلحادية، خاصة وأنكم لن تفهموا الآية التي بعدها «١١٢»، وماذا تعني كلمة «بَلَى» التي بدأ الله بها الرد على اليهود والنصارى، لأنكم تجهلون اللغة العربية، فتدبروا:
«بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
فإذا وضعنا أمامنا قوله تعالى الوارد في هذه الآية:
* «وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
والآية «٦٢» من سورة البقرة:
* «وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
والآية «٦٩» من سورة المائدة:
* «فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
يتبيّن لنا أن مفتاح فهم هذه الآيات في قوله تعالى في الآية «١١٢»:
«بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ»
والسؤال: كيف يُسلم المرء «وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ»؟!
سابعًا:
تأتي الإجابة في قوله تعالى في سورة آل عمران «الآية٢٠»:
* «فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ، وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا، وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ»
إن قوله تعالى: «فَإِنْ حَاجُّوكَ» خطاب لجميع الملل والنحل التي لم يدخل أتباعها في «دين الإسلام» الذي جاء به رسول الله محمد، ومما يؤكد ذلك قوله تعالى:
* «فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا»
فإذا ذهبنا إلى قوله تعالى في سورة المائدة «الآية ٦٩»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى..»
نجد أن الآية «٦٨» التي سبقتها تقول:
* «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»
والسؤال للفلاسفة أدعياء العلم، من أصحاب وأتباع القراءات القرآنية الإلحادية:
كيف يقول الله تعالى لرسوله، عن الذين كفروا من أهل الكتاب:
«فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»
ثم يُنزل عليه بعدها آية تقول:
«فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»؟!
«أَفَلا تَعْقِلُونَ»
محمد السعيد مشتهري