نحو إسلام الرسول

(793) 28/6/2017 الإلحاد في الآيات القرآنية (2)

ضوابط منهجية حتى لا نُلحد في الآيات القرآنية

بدأ عاطف الحاج منشوره بعنوان:

«أين جهابذة اللغة العربية»

وكعادته، يعيش داخل الآيات المتشابهات، ثم يعرض موضوعًا أو كلمة من كلمات هذه الآيات، ويفتح باب المناقشة حولها، لا لشيء إلا لإثبات أن القرآن ليس في حاجة إلى «اللغة العربية» وعلومها.

وللأسف الشديد أن نجد العشرات سعداء بهذه المنهجية المنحرفة عن المنهج العلمي، وعن الأدوات التي يستحيل فهم القرآن بمعزل عنها، والتي أمر الله الناس اتباعها.

يسأل عاطف الحاج:

«أين جهابذة اللغة العربية»، ليبينوا له ولأصدقائه، ما هو «الفؤاد»، وما هو «القلب»، وكيف حدث الربط على قلب أم موسى، «قرآنياً»، في قوله تعالى:

«وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»

وبعد عشرات التعليقات، وجد «عاطف الحاج» تعليقًا مطولا يُبيّن الفرق بين القلب والفؤاد في السياق القرآني، فعقب عليه بقوله:

«لا بأس في هذا الشرح، على الأقل أنت تنفي اللغة العربية لفهم القرآن»

ولأن هؤلاء الذين «يلحدون في الآيات القرآنية» يكفرون باللغة العربية وبعلومها، لم يلتفت أحد منهم إلى طريقة صياغة الجملة القرآنية، وانشغلوا بالبحث عن كلمتي «الفؤاد والقلب» في السياق القرآني!!

أولا:

يتعامل «عاطف الحاج»، في جميع منشوراته، مع ظاهر الكلمات القرآنية، بمعزل عن الأساليب البيانية التي قامت عليها صياغة الجملة القرآنية، طبعا لأنه كافر بـ «اللغة العربية» وبعلومها.

لذلك لم ينتبه «عاطف الحاج» إلى أن الآية التي اختارها ليتحدى بها «جهابذة» اللغة العربية، هي نفسها التي ستجعلهم يُسقطونه «علميًا» من أول جولة بـ «القاصمة القاضية».

إنه يستحيل فهم هذه الآية التي اختارها، إلا من خلال «علم البيان»، وما يحمله من مجاز وتشبيه واستعارة.. إلى آخره.

ثانيا:

لا يوجد في علم وظائف الأعضاء، ولا في علم التشريح، عضو اسمه «الفؤاد»، ولم يستخدم السياق القرآني كلمة «القلب» بالمعنى المادي، أي بمعنى «مضخة الدم»، وإلا لأصبحنا أمام مشكلة كبيرة عندما يقول الله عن شرط دخول الجنة:

«إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».

ثالثا:

ولكن الذي أصاب «عاطف الحاج» بالحيرة، وأدار حواره مع أصدقائه على أساسه، أن سياق الآية يفُهم منه أن «الفؤاد»، الذي أصبح فارغًا:

«وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً»

و«القلب» الذي يمكن أن نربطه:

«لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا»

شيئان ماديان، فظل يسأل: أين هما؟!

رابعا:

وبصرف النظر عن معنى كلمة «وَأَصْبَحَ»، وأن مادة «صبح» استخدمت في السياق القرآني بأكثر من معنى، منها ما يستحيل فهمه إلا من خلال مراجع اللغة العربية.

وبصرف النظر عن معنى كلمة «كَادَتْ»، وأن مادة «كيد» استخدمت في السياق القرآني بأكثر من معنى، منها ما يستحيل فهمه إلا من خلال مراجع اللغة العربية.

فإننا أمام نص إما أن نفهمه بمعناه المادي «الحقيقي»، وهذا سيعتبر سفهًا، وإما أن نفهمه بمعناه «المجازي»، الذي نستخدمه في حياتنا اليومية، عندما نقول بعد موقف أو حادث معين، إن فلان «ذهب عقله»، وعندها يمكن أن يفعل أي شيء.

وهذا ما كادت أم موسى أن تفعله، بعد أن أصبح «فؤادها» فارغًا، إنها لا تصدق، ولا تتعقل ما فعلته مع ابنها الصغير، وكادت أن تطلب من الناس إنقاذه.

خامسا:

إن «الفؤاد» هو المسؤول عن «آلية التعقل»، لذلك لم يربط الله على «فؤاد» أم موسي، لأنه ما فائدة الربط على الفرع دون الأصل الذي هو «القلب»، جهاز التحكم الرئيس الذي يدير آليات التفكر والتعقل والتدبر…، فقال تعالى:

«لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»

إن «القلب» يحمل آليات أسمّيها في مشروعي الفكري بـ «آليات عمل القلب»، وهي أداة رئيسة من الأدوات الخمس لفهم القرآن، يقول الله تعالى:

«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»

«لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا»

و«آلية التعقل» تتوقف تماما أمام مشاهد يوم القيامة «طبعا غير متوقعة»، فيقول الله تعالى من باب «التشبيه البليغ» لهذه المشاهد:

«مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ»

وهناك «تشبيه بليغ» آخر، يصور مشهد نار جهنم وهي تبدأ بـ «الفؤاد»، لأنه الآلية التي كانت مسؤولة في الدنيا عن تحصيل العلوم والمعارف.

سادسا:

إن وسائل الإدراك، المتصلة بـ «الفؤاد»، هي المسؤولة عن تحصيل العلوم والمعارف، يقول الله تعالى:

«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»

ويقول تعالى:

«وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً»

وأنا شخصيا، ما كان لي أن أصل إلى هذا الفهم لآيات الذكر الحكيم، إلا بتحصيل العلم الذي كان يحمله العرب في عصر التنزيل، وفهموا على أساسه هذا القرآن، وحفظه الله في مراجع «اللغة العربية».

ولذلك أقول:

إن التحدي لـ «ظاهرة عاطف الحاج الفكرية» ما زال قائمًا، وفي انتظار أن يقوم أتباع هذه الظاهرة بإسقاط «جهابذة اللغة العربية» من أول جولة علمية، ونرى لهم بحثًا علميًا قرآنيًا عن معنى قوله تعالى:

«مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ»

وإلى إلحاد آخر في الآيات القرآنية

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى