نحو إسلام الرسول

(792) 27/6/2017 الإلحاد في الآيات القرآنية (1)

منطقيات وبدهيات يجب الاتفاق عليها:

أولا:

أنا لا أنتقد «أشخاصًا»، وإنما «طرق التفكير» التي يتعامل أصحابها مع القرآن بمعزل عن أدوات الفهم التي أمر الله اتباعها.

وعندما أذكر اسم شخص معين، فذلك لأن طريقة تفكيره أصبحت تشكل ظاهرة خطيرة يجب التصدي لها من باب النهي عن المنكر.

إن التصدي للذين يُشيعون المنكرات وينشرونها بين الناس، ليس من باب الخلاف في الرأي، وإنما من باب المحرمات التي يجب تحذير الناس من الاقتراب منه.

عندما يدعي البعض أن القرآن يُبيّن نفسه بنفسه، وليس في حاجة إلى بيان من خارجه، ولا إلى «اللغة العربية» لبيان معاني كلماته، ثم أقوم بنشر عشرات الموضوعات التي تحمل «كلمات» تشهد بكذب هذا الادعاء، ولم يستطع أحد الإتيان بمعناها من داخل القرآن، ثم يصر أصحاب هذه البدعة على بدعتهم، فأي دين هذا الذي يتبعه هؤلاء؟!

ثانيا:

لقد أيد الله جميع الرسل بالآيات «الحسية» الدالة على صدق بلاغهم عن الله، طبعا باستثناء رسوله محمد، ولم يحدث أن آمن أحدٌ واتبع الرسول دون التصديق بالآية الدالة على أنه مرسل من عند الله.

ثم أرسل الله رسوله محمدًا بـ «آية عقلية» من جنس «الكلام العربي» الذي كان ينطق به لسان قومه، والذي به فهموا القرآن العربي:

«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً»

ولقد حمل هذا الكلام العربي حروف الهجاء العربية التي تعلمتها الشعوب العربية، منذ عصر الرسالة وإلى اليوم، ولذلك وصف الله القرآن بـ «العربي» في آيات كثيرة، فتعالوا نتدبر ما خُتمت به الآيات التالية:

١- «قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ (يَتَّقُونَ)»

٢- «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ (تَعْقِلُونَ)»

٣- «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ (يَعْلَمُونَ)»

فهل يُعقل أن يقول الله في سياق الحديث عن «القرآن العربي»:

«لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»، «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»

ثم يسمح لشياطين الإنس «والجن»، العبث بـ «كلمات» هذا القرآن العربية، أو بـ «مسمّياتها» الموجودة خارج القرآن؟!

هل يُعقل أن يحمل القرآن «الآية الإلهية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين، ولا يحفظ الله كلمات نصوص هذه «الآية»، و«مسمّياتها» الموجودة خارج القرآن؟!

ثالثا:

ثم يأتي السؤال المنطقي:

أين تعلم المسلمون حروف الهجاء العربية، والكلمة ومسمّاها، كقوله تعالى: «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا»، وأين تعلموا تركيب الجملة العربية التي استطاعوا على أساسها قراءة القرآن وفهم معاني كلماته؟!

هل من داخل القرآن؟!

إن منظومة حروف الهجاء العربية، التي هي المكون الرئيس لكلمات القرآن، وكيفية تركيب الجملة القرآنية، قد تعلمتها الشعوب العربية عبر «منظومة التواصل المعرفي» بدءًا بما يُعرف باسم «الكُتَّاب» ثم المدارس التي عرفتها شعوب العالم، وليس فقط الشعوب العربية.

فهل لو لم تتعلم الشعوب العربية، كغيرها من شعوب العالم، «اللغة العربية» في المدارس، كان من الممكن لأي عربي أن يقرأ القرآن؟!

لقد حفظ الله منظومة «اللغة العربية» بحفظه لـ «القرآن العربي»، وإلا فما فائدة أن يحفظ الله كلمات القرآن، ككلمة الشمس مثلا، ولا يحفظ أدوات وآليات تعلم قراءة وفهم «الكلمة»، و«مسمّاها» الموجود خارج القرآن، الأمر الذي لم يتحقق إلا خارج القرآن، وبالاستعانة بمراجع «اللغة العربية»؟!

إنه يستحيل فهم كلمات الله «المقروءة» في المصحف، دون وجود صورة ذهنية لها «مسمّاها» في قلب الإنسان، وهذه الصور الذهنية تنطبع في قلوب الناس جميعًا منذ طفولتهم، وخلال مراحل حياتهم، وذلك بالتعلم من خلال «منظومة التواصل المعرفي».

إن التراث الديني لجميع الفرق الإسلامية، وما حمله من مرويات، لا أصل له ولا حجية في كتاب الله، والذي يشغل نفسه به، ويجعله إشكالية تمس حفظ الله لكتابه، «كافرٌ» بالقرآن، قبل أن يكون كافرًا بتراث فرقته الديني.

لقد حفظ الله الكلمة القرآنية ومسمّاها عبر «منظومة التواصل المعرفي» بما يجعل لهذا الحفظ فعالية إلى يوم الدين، ومن ذلك حفظ معاني الكلمة القرآنية داخل مراجع «اللغة العربية» التي بين أيدي الناس.

إن حفظ الله لمعاني الكلمة القرآنية داخل مراجع «اللغة العربية»، ضرورة شرعية ومنطقية، بل ومن مقتضيات حفظ الله لكتابه.

وكما حملت «منظومة التواصل المعرفي» الحق والباطل، وكان معيار الحق وميزانه هو إشارة القرآن إليه، فكذلك مراجع «اللغة العربية»، فإن معيار الحق وميزانه، لما حملته من معاني كلمات القرآن، هو تناغم المعنى مع سياق الآية.

رابعا:

إن البرهان على صحة ما سبق بيانه، وتهافت منهجية «القرآن يُبيّن نفسه بنفسه» وأن القرآن ليس في حاجة إلى «اللغة العربية» وعلومها، هو:

لقد ذكرت من قبل، في سياق الحديث عن بدعة «آذان الأنعام»، آية قرآنية كاملة، يستحيل فهم كلماتها، ولا سياقها، إلا بالاستعانة بمراجع «اللغة العربية»، وهي قوله تعالى:

«مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ»

وها أنا أجدد هذا التحدي من خلال هذا المنشور، وأدعو كل من تُسول له نفسه، أن ينطق بجملة «القرآن يُبيّن نفسه بنفسه»، أن يواجه أولا هذا التحدي، وأن يأتي من داخل القرآن بمعنى هذه الآية:

«مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ»

فإن لم تفعلوا، فيكفي أن تظهروا أمام الناس بهذه الصورة المخزية، التي لو وُضعت أنا شخصيا فيها، لاعتزلت الدنيا، وليس فقط شبكات التواصل الاجتماعي.

لذلك أقول:

إنني لن أقبل، من أتباع منهجية «القرآن يُبيّن نفسه بنفسه»، أي تعليق لا يحمل بيان معنى هذه الآية من القرآن، وسأحذف أي تعليق لا يأتي بهذا البيان دون سابق إنذار.

لماذا؟!

ليظل مكان التعليقات فارغًا، يشهد عليهم بافتراء الكذب على الله، والإلحاد في آياته القرآنية، تمهيدا لما سيأتي من منشورات، تكشف عوراتهم الفكرية من داخل منشوراتهم.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى