«زواج» المسلمين بغير المسلمين «باطل»
واستكمالا لمنشور:
«تذكير بما سبق نشره بخصوص نكاح المسلمة غير المسلم»
والذي ذكرت في ختامه أنه لم يرد ذكر «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ» إلا في سياق المدح، وأنهم كانوا أهل «علم» فآمنوا بـ «نبوة» رسول الله محمد يوم بُعث، وأقروا بصدق «آيته القرآنية»، ودخلوا في «دين الإسلام».
أما «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، فهم الذين ورثوا الكتاب عن آبائهم وحرّفوا وبدّلوا فيه، فجاء ذكرهم في سياق الذم، باستثناء الذين آمنوا برسول الله محمد، «الذي جاء بالدين الحق»، واتبعوه، لقوله تعالى:
«وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»
إن «مِنْ» في قوله تعالى «مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» دالة على «التبعيض» أي أن هناك فريقًا منهم اتبعوا الدين الحق الذي جاء به رسول الله محمد، وسمّاهم الله «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، وهذا ما أفاده قوله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا (فَرِيقاً) مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ»
أي أن هناك فريقًا آمن برسول الله محمد ولم يكفر.
ثم يأتي بالبرهان قطعي الدلالة على أن جميع «الملل والنحل» التي لم تتبع رسول الله محمد، وكانت موجودة في عصر التنزيل، كفرت بالله ورسله، وليس فقط برسول الله محمد، لأن كتبهم جاءت تبشر ببعثته، لذلك قال تعالى بعدها:
«وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ»
وهذا يعني أن «اليهود والنصارى»، الذين لم يرد ذكرهما إلا في سياق الذم، إذا لم يتبعوا رسول الله محمد، «كفروا بالله ورسله»، وإن ادعوا أنهم يؤمنون برسلهم.
فمن هذا «الجاهل»، الذي لا شك أنه مصاب بـ «هوس ديني»، الذي يقول إن «اليهود والنصارى» مؤمنون مسلمون، وإن لم يتبعوا رسول الله محمد؟!
لقد وصف الله «اليهود والنصارى» بثلاث صفات:
«أَهْل الْكِتَابِ»، «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ»، «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ».
ولقد سبق أن بيّنت في المنشورات السابقة مفهوم كل صيغة من هذه الصيغ الثلاث،
والسؤال:
لماذا استخدم السياق القرآني «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، في سياق بيان أحكام النكاح، ولم يستخدم «أَهْل الْكِتَابِ»، أو «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ»، فقال تعالى:
«وَالْمُحْصَنَاتُ (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) مِنْ قَبْلِكُمْ»؟!
والجواب:
١- «أَهْل الْكِتَابِ» وصف عام يشمل «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ»، و«الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، وهم الذين كانوا يدينون بدين آبائهم، ومنهم من «آمن» برسول الله محمد، ومنهم من «كفر»، يقول الله تعالى:
«وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا (أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»
٢- «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ» وهم الذين كانوا على علم ببعثة رسول الله محمد، فـ «آمنوا وأسلموا» جميعًا فور بعثته، ولم يتعرض أحد منهم لإيذاء من أفراد أسرته، ولم يكتم إيمانه، لأنهم جميعا أسلموا، يقول الله تعالي:
«الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ»
«وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ»
٣- «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» وهؤلاء كانوا على علم بما جاءت به كتبهم، وببعثة رسول الله محمد، وكانوا يكتمون ذلك عن الناس، يقول الله تعالى:
«فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ»
وتدبر قوله تعالى:
«وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ»
«وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ (أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ»
وإن هؤلاء «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» هم موضوع قوله تعالى:
«وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»
والسؤال:
هل يُعقل بعد كل ما جاء عن «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» من ذم وتكفير ووعيد بعذاب جهنم خالدين فيها، يُنزّل الله تعالى آية تُحل الزواج بنسائهن؟!
وهنا تأتي أهمية «علم السياق»، لفهم قوله تعالى:
«مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»
فهذه الجملة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكلمة التي قبلها، وهي «الْمُحْصَنَاتُ»، أي أن الحديث عن «الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، وليس عن «نِسَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، بمعنى أنه لا يحل نكاح غير «الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ».
فمن هن «الْمُحْصَنَاتُ» الوارد ذكرهن في سياق «أحكام النكاح»؟!
وللموضوع بقية
محمد السعيد مشتهري