نحو إسلام الرسول

(785) 18/6/2017 «قصة خلق الإنسان الأول» في السياق القرآني (2)

خامسا:

إن حديث الله عن آيات «الخلق» و«الجعل»، التي وردت في سياق بيان خلق الإنسان، والحديث عن «الإحياء والإماتة» التي شملت عالم الأحياء، جاء كله لبيان دلائل الوحدانية، وللرد على منكري البعث، ولا علاقة لها مطلقا بقصة «الخلية وانقسامها».

إن المتدبر لآيات الخلق والجعل والإحياء والإماتة، يعلم أنها لم تنزل لتعطي الناس دروسًا في علوم الطبيعة، ثم تأخذهم إلى المعمل لتثبت لهم صحة ما درسوه، وإنما نزلت لتعطيهم إشارات يجد العلماء المتخصصون تفاصيلها في معاملهم، لعلهم يؤمنون أن القرآن حق:

«سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»

إن الذي يتعامل مع آيات الخلق والجعل والإحياء والإماتة، على غير الوجه الذي نزلت من أجله، «سيَضِل ويُضِل»، خاصة إذا كانت هذه الآيات لم تتعرض، لا من قريب ولا من بعيد، إلى تفاصيل ما قبل خلق الذكر والأنثى، إلا قوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا (النَّاسُ) اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ (نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) وَخَلَقَ مِنْهَا (زَوْجَهَا) وَبَثَّ مِنْهُمَا (رِجَالاً) كَثِيراً (وَنِسَاءً)»

نعم، «خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»:

لقد جاءت هذه الآية تذكر الناس بخلق الإنسان الأول، لعلهم يتقون، وتُبيّن لهم أنه خُلق بالإرادة الإلهية «كن»، فكان جنسًا إنسانيًا، سماه الله «نفسًا»، ثم أصبحت هذه «النفس» ذكرًا «آدم»، وأنثى «زوجه»، قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»

سادسا:

من أين جاؤوا بأن «الإنسان»، الذي ورد ذكره في القرآن، كان أصله «خلية» ثم انقسمت على نفسها، كالبكتيريا، لا هي ذكر، ولا هي أنثى، ثم تطورت، فظهر الذكر والأنثى، وبدأ التكاثر الجنسي بين الذكر والأنثى، ثم حدث تطور آخر نتج عنه الإنسان العاقل؟!

ما هذا «الخيال العلمي»، الذي إن نجح تسويقه «إعلاميا»، يستحيل أن ينجح تسويقه «قرآنيا»؟!

فهل يُعقل أن يُذكّر الله الشعوب والقبائل بنعمة خلقهم من ذكر وأنثى، بعد «أطوار» حدثت في رحم النساء، فقال تعالى:

«مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً»

وقد فصّل هذه «الأطوار» تفصيلا، بداية من:

«نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً»

ثم لا يُذكّرهم بالأهم من هذا، وهو يحدثهم عن نعمه التي لا تحصى، وهو كيف تطّور الناس من خلية تنقسم على نفسها، إلى أن أصبحوا بشرًا عقلاء، ناداهم الله بـ «بني آدم» فقال:

«يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ (أَبَوَيْكُمْ) مِنْ الْجَنَّةِ»

إن القرآن يشهد أن لبني آدم أبوين، طبعا «آدم» الذكر، و«زوجه» الأنثى، وهذه بالنسبة للمؤمنين العقلاء هي البداية، التي عندها أخذ الله من بني آدم ميثاق «الوحدانية»، فقال تعالى:

«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا»

فأين نجد في كتاب الله البرهان على أن «آدم» الذي تحدث الله عنه في القرآن، هو النسخة المعدلة العاقلة لـ «آدم» الخلية غير العاقلة؟!

سابعا:

لقد خلق الله «آدم» بإرادة «كن»، وخلق «زوجه» بإرادة «كن»، والتقى ما «آدم» ببويضة «زوجه»، فكان «بنو آدم»، قال تعالى في سياق الرد على منكري البعث:

«أَيَحْسَبُ (الإِنسَانُ) أَنْ يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. (فَجَعَلَ) مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ (الذَّكَرَ وَالأُنثَى). أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى»

ويقول الله تعالى في سياق الرد على منكري البعث:

١- «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ»

خلق الله الناس من التقاء «ماء» الإنسان الأول «آدم»، بـ «بويضة» زوجه، بعد مرحلة التسوية، ونفخ الروح، قال تعالى:

«إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»

٢- «(ثُمَّ) مِنْ نُطْفَةٍ (ثُمَّ) مِنْ عَلَقَةٍ (ثُمَّ) مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ»

إن كلمة «ثم»، التي تفيد «الترتيب والتراخي في الزمن»، جاءت لبيان مراحل تطور خلق الإنسان في رحم أمه، وهي أشْهرٌ وليست ملايين السنين!!

علما أننا لا نعلم «مطلقا»، الفترات الزمنية بين خلق الإنسان من طين، وتسويته، ونفخ الروح فيه، الأمر الذي جعله يستحق أن تسجد له الملائكة.

٣- «وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»

٤- «ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً»

كنت آمل أن أجد في كتاب الله آية واحدة، تُخرج من ابتدعوا «نظرية التطور القرآنية» من دائرة «الجهل» بالقرآن، ومن «العشوائية الفكرية» في التعامل مع آياته، ولكن للأسف لم أجد.

«يتبع»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى