على هامش الرد على عدنان إبراهيم
في تعليقه على منشور «الرد العلمي على عدنان إبراهيم»، يقول Shadi Bashir Jarrar
إن الدكتور استند في رده على محورين:
أولا: التفريق بين «الخلق» و«الجعل»
ثانيا: إشكالية سجود الملائكة
أما بالنسبة للتفريق بين الخلق والجعل على النحو الذي بينه الدكتور.. ففيه حجر للمعنى وتخصيص لا تفرضه لغة العرب.. ولا تستوعبه آيات القرآن.. لنرى التفصيل التالي:
يقول الدكتور إن «الخلق» من «عالم الخلق»، وهو الإيجاد من عدم»
وهذا ليس من الدقة بمكان.. إذ أن الخلق قد يأتي بمعنى الإيجاد من العدم.. أو بمعنى التصوير.. وهذا المعنى (التصوير) هو ما يفرضه سياق الآيات التالية التي ذكرها الدكتور:
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ (جَعَلْنَاهُ) نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ (خَلَقْنَا) النُّطْفَةَ عَلَقَةً، (فَخَلَقْنَا) الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، (فَخَلَقْنَا) الْمُضْغَةَ عِظَاماً، فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»
وقوله تعالى:
«(يَخْلُقُكُمْ) فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ (خَلْقاً) مِنْ بَعْدِ (خَلْقٍ) فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ»
ودل على ذلك المعنى (التصوير) تعدي الفعل خلق لمفعولين اثنين في كذا موضع.
التعليق:
إن عدم دراية دارس القرآن بمنهجية تدبر آياته، وبـ «علم السياق»، يوقعه في إشكاليات كثيرة، خاصة إذا كانت الدراسة متعلقة بمسائل من عالم الغيب.
* يقول شادي:
«إذ أن الخلق قد يأتي بمعنى الإيجاد من العدم.. أو بمعنى التصوير.. وهذا المعنى (التصوير) هو ما يفرضه سياق الآيات التالية التي ذكرها الدكتور:
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ (جَعَلْنَاهُ) نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ (خَلَقْنَا) النُّطْفَةَ عَلَقَةً، (فَخَلَقْنَا) الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، (فَخَلَقْنَا) الْمُضْغَةَ عِظَاماً، فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»
فماذا يقول شادي في قوله تعالى:
«وَلَقَدْ (خَلَقْنَاكُمْ) – (ثُمَّ) (صَوَّرْنَاكُمْ) – (ثُمَّ) قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا (لآدَم)َ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ»؟!!
إنه تذكير للمخاطبين بنعمة الإيجاد، وخلق أصل النوع البشري، الذي هم ذريته، والمقصود طبعا «آدم»، بدلالة السياق.
والآية هي البرهان قطعي الدلالة على أن «التصوير» مرحلة تالية لـ «الخلق»، بدليل «ثم» الدالة على التراخي، أي ثم «جعل» المخلوق بعد ذلك على الصورة التي أرادها الله تعالى.
لقد خلق الله «آدم» بكلمة «كن»، أي من عدم، ثم بعد أن «صوره»، وأصبح بشرا سويا، قال للملائكة اسجدوا لآدم.
إذن فـ «التصوير» ليس هو «الخلق الأول: آدم» الذي هو موضوع منشور «الرد العلمي على عدنان إبراهيم»، وإنما هو مرحلة تالية للخلق، سواء كان ذلك بالنسبة «لآدم»، أو بالنسبة لما يتم بعد «الجعل» والتقاء ماء الرجل ببويضة المرأة، في رحم المرأة، من مراحل تصوير الأجنّة، على النحو الموجود في الآيات السابقة.
لقد بيّنت ذلك بالتفصيل، وبالبراهين القرآنية، في المنشور المشار إليه، وكل من يقول بأن «الخلق الأول»، الذي هو موضوعنا، هو نفسه الخلق الذي بمعنى «التصوير»، المشار إليه في الآيات السابقة، فهو يجهل علم السياق، ويجهل علوم اللغة العربية، ولا يؤخذ منه فهم صحيح لآيات الذكر الحكيم.
* ثم يقول شادي:
يقول الدكتور: أما «الجعل» فمن «عالم الأمر»، وهو توجيه المخلوق لمهمته التي خُلق من أجلها»، وهذا عجيب جدا.. إذ أن اللغة العربية لا تحصر الجعل بذلك بل قد تأتي بمعنى الإنشاء والتصيير والقول وغيرها من المعاني بحسب السياق.. والقرآن في العديد من الآيات يذكر «الجعل» بمعنى «الخلق».. لنرى قوله تعالى: «إني جاعل في الأرض خليفة» هل نفهم من الجعل هنا «آية الخلق في الرحم»؟!!
فالجعل كلمة أعم من «الخلق».. وقد «يجعل» الله مشيئته فيما «يخلق».. بلا تعارض.
التعليق:
عندما تكون القاعدة التي قام عليها البناء متهافتة، يسقط سريعا كل ما قام عليها.
إن قوله تعالى:
«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي (جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ..»
لا يتحدث عن خلق «آدم»، وإنما عن نظام «الخلافة» الذي سيترتب على خلق «آدم»، لذلك قالت الملائكة:
«أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ..»
ولذلك استخدم كلمة «الجعل»، وأكدت ذلك الملائكة بقولها: «أَتَجْعَلُ فِيهَا»!
إنك يستحيل أن تجد في السياق القرآني ما يفيد أن «الخلق» هو «الجعل»، بل دائما
«الجعل» مرحلة ما بعد «الخلق»
ولذلك قال تعالى في أول الآيات المشار إليها سابقا:
«وَلَقَدْ (خَلَقْنَا) الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ (جَعَلْنَاهُ) نُطْفَةً..»
* ثم يقول شادي:
«مع كل محاولات التفريق هذه.. لا نعلم كيف ينفي ذلك مسألة أن حواء كانت قبل أدم .. ما الدليل أن آدم .. أو حواء هما «أول الخلق».. لا يوجد في كتاب الله أي أية تقطع بذلك.. وكون البشر جميعا يردون إلى نفس واحدة لا يعني بالضرورة أنها «أول الخلق».. السجود بالفعل كان لآدم.. وهذا لا يعد دليلا قاطعا أنه خلق قبل حواء.. فيحتمل أن السجود والتكليف كان بعد خلق آدم من حواء»
التعليق:
إن البحث العلمي لا يعرف هذه الجملة التي قالها شادي مطلقا:
«فيحتمل أن السجود والتكليف كان بعد خلق آدم من حواء»
والذي يعرف مثل هذه الاحتمالات هو «الفكر العشوائي»، خاصة عندما يُقحم نفسه في دراسة كتاب الله.
ولقد تم الرد على كل هذه الشبهات في المنشورات السابقة، وخاصة على أتباع «نظرية التطور»، وأن الإنسان أصله قرد..، هكذا يفكرون … وهذا حقهم … ولكن الذي ليس من حقهم افتراء الكذب على الله تعالى.
محمد السعيد مشتهري