نحو إسلام الرسول

(879) 11/9/2017 دفاعاً عن القرآن (23)

«تحريم» الإساءة إلى «الوالدين» يعني وجوب «طاعتهما»

يقول المفكر الإسلامي «محمد شحرور» في كتابه «الإسلام والإيمان – منظومة القيم، الفصل الثالث الأبوان والوالدان»:

«سنقوم هنا بقراءة معاصرة لهذه المصطلحات، كما وردت في التنزيل الحكيم، انطلاقاً من أننا شهداء القرن العشرين، شاهدون على معارف الطب والوراثة والحمل والجنين التي أرستها الحضارة الإنسانية، منوهين إلى أنها قراءة ليست مطلقة، بل مرهونة بزمانها ومكانها».

وتستند القراءات المعاصرة إلى قوله تعالى:

«وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ»

فيقولون: إن الله أوصى بالإحسان إلى الوالدين، ولم يوص بوجوب طاعتهما أبدا، وهناك فرق كبير بين الإحسان والطاعة!!

فتعالوا نرى كيف تريد القراءة المعاصرة هدم أحكام القرآن، وفي نفس الوقت تكشف عن مدى «الجهل» الذي يحمله أصحابها، و«الهوس الديني» الذي أصاب قلوبهم، وأنهم لا يريدون أن تكون هناك «تربية إيمانية» في بيوت المسلمين.

أولا:

يفرق «محمد شحرور» بين الأب والوالد، وأن مهمة «الوالد» وضع الحيوان المنوي في رحم «الوالدة»، التي تحمل وتضع وتصبح «أماً»، ويرى أن «اليتيم» ليس يتيم «الوالدين»، بل يتيم الأب أو الأم أو الأبوين معاً.

تعليق:

إذا مات الوالدان، وأصبح الولد يتيمًا، فما الذي يُغير من حقيقة أنه يتيم «الوالدين»، اللذين قاما على تربيته ورعايته، وعلى أمره بالالتزام بأحكام الشريعة..، وذلك قبل موتهما؟!

فما الحكمة من أن نسميه «يتيم الأبوين» وليس «الوالدين»؟!

لقد أمر الله الأبناء بطاعة الوالدين، في الالتزام بأحكام الشريعة، وقد جاء ذلك مفصلًا في وصية لقمان لابنه، ومنها قوله تعالى:

«يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ»؟!

إذن لـ «الوالدين» دور كبير في تربية الأبناء على الالتزام بأحكام الشريعة الإلهية، وطبعا عليهم طاعتهما، وهذا ما أفاده قوله تعالى:

«وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً»

ثانيا:

يقول: ونفتح التنزيل الحكيم لنقرأ قوله تعالى:

«إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً»

ويعلق فيقول:

«لنجد أن الولادة في الآية جاءت بمعنى التربية والتشكيل الأيديولوجي والعقائدي في المجتمع، وأن فعل «يلدوا» لا يعني مطلقاً الولادة من حمل ووضع وأمومة، لأن الإنسان لا يولد كافراً فاجراً ولا يولد مؤمناً تقياً..»

تعليق:

كيف يتصدى مفكر إسلامي يدعي أنه جاء بما لم يأت به أحد من قراءات قرآنية معاصرة، وهو يجهل أساليب البيان العربية؟!

من البدهي أن المولود لا يولد كافرًا أو مؤمنًا، وإنما نوح عليه السلام يتحدث عما «سيؤول» إليه حال أبناء الكافرين، بناء على «علم» حصل له ببرهان «التجربة»، فالولد يتربى على الكفر، فيصير فاجراً كفَّاراً عند بلوغه النكاح واكتمال رشده!!

ثالثا:

يقول: فإذا قام الوالدان بالتربية المادية والمعنوية، بالرعاية والانفاق، أصبحا أبوين، وإذا قام غير الوالدين بهذه التربية والرعاية كانا أبوين أيضاً.

ثم يقول: وهنا يتضح معنى «الأب» الذي يقوم بالتربية والانفاق والقصد على تنشئة الوليد، فإن كان «والده»، فهو «أبوه» أيضاً، أما إن كان ليس بوالده فهو «أبوه» فقط.

ثم يقول: وكذلك «الأم» التي تقوم على التربية والرعاية، فإن كانت «والدته»، فهي أمه ووالدته، أما إن كانت ليست بوالدته فهي «أمه» فقط.

ثم يقول: ولهذا نجد تحريم النكاح في التنزيل شمل الأم ولم يخص الوالدة:
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ …».

تعليق:

لقد ابتدع بدعة تهدم أحكام «المواريث»، فهناك «أم» ليست بوالدة، وهناك «أب» ليس بوالد!!

ثم ماذا يعني «محمد شحرور» بقوله إن تحريم النكاح لم يخص الوالدة؟!

ألا يعلم أن باب «المحرمات من النساء»، يقوم على قاعدة «الولادة»، «أصلًا وفرعًا»، وأن التحريم يتعلق بـ «الوالدة أو المولودة»، فكيف لا يخص «الوالدة»؟!

رابعا:

ويقول: «وهكذا نرى الفرق جلياً واضحاً بين الوالد والأب، والوالدة والأم، والوالدين والأبوين، فمن الناحية البيولوجية لا بد للوليد من والد ووالدة، ومن ناحية التربية والحماية والرعاية والتنشئة لا بد له من أب وأم»

تعليق:

إنه يقول: «الوالدان» مهمتهما «بيولوجية»، أما «الأبوان» فمهمتهما التربية والحماية والرعاية والتنشئة، والقرآن يكذب هذه البدعة، ويكفي قوله تعالى الذي يُبيّن أن «الوالدين» مهمتهما «التربية»، و«التنشئة»..، فتدبر:

«وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَ(بِالْوَالِدَيْنِ) إِحْسَاناً… وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا (رَبَّيَانِي) صَغِيراً»

خامسا:

إن الذي له دراية بعلوم «اللغة العربية»، وبعلم «السياق القرآني»، يعلم أن الفرق بين الوالدين والأبوين في السياق القرآني هو ما يلي:

* الوالدان «الوالد والوالدة»:

يأتيان للفت النظر إلى أصل الوجود البشري، الذي هو «آية الحمل والولادة»، وما ينتج عنها من تفاعل «قلب» الوالدين مع «المولود»، من مشاعر وأحاسيس..، وما يتحملانه تجاهه من «مسؤولية» الرعاية والتربية والتنشئة.

لذلك كان على «الأولاد» مراعاة ما تحمله «الوالدان» خلال مرحلة الرعاية والتربية حتى بلوغهم النكاح واكتمال رشدهم، وخاصة الأم «الوالدة»، ما كان لأحد أن يتحملها غيرهما.

* الأبوان «الأب والأم»:

يأتيان للفت النظر إلى أن هناك شريعة إلهية تحكم العلاقة الزوجية، وتأمر أهل البيت بالالتزام بالحقوق والواجبات التي فرضها الله عليهم.

سادسا:

يقول الله تعالى:

«قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»

الإحسان: النفع بكل ما هو حسن، وذلك «زيادة على المفروض»، فإذا كان المسلم مأمورًا بأداء الفريضة، فإذا أدى ما فوق الفريضة، فقد دخل دائرة «البر» و«الإحسان»:

«وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً»

إذن فعندما يأمر الله «الأبناء» بالإحسان إلى «الوالدين» فهذا معناه أنه يأمرهم بما هو فوق «الطاعة»، لذلك فإن قوله تعالى:

«وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»

أمر بالإحسان إليهما يتضمّن «النَّهي» عن «الإساءة» إليهما بطريق «فحوى الخطاب»، أي النهي عن ضدّ «الإحسان».

إن الإساءة إلى الوالدين من «المحَرّمات» بنص الآية، ولم يأت النص على ذلك صراحة، وجاء الأمر بـ «الإحسان»، لأن الإحسان هو الأصل الذي يجب أن يتربى عليه الأبناء منذ الصغر، وليس «الإساءة».

ولماذا أردف النهي عن الشرك بالله بـ «الإحسان» إلى الوالدين؟!

لبيان تحريم الإساءة إلى «الوالدين» لأنهما أصل وجودهم، وأصل تربيتهم والقيام على شؤونهم، حتى ولو أساء «الأبناء» إلى الوالدين، فإننا نراهما لا يتخلّيان عن مسؤوليتهما تجاههم، لذلك قال تعالى:

«وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ»

هل فهم «المسلمون» معنى قوله تعالى:

«أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ»

ولماذا جاء شكر الوالدين بعد شكر الله تعالى؟!

لو فهموا ما كانت هذه هي «الذرية» التي نراها في الجامعات، وفي الشوارع والأسواق، وعلى «الكافيهات»!!

ثم تدبر ماذا قال الله بعدها، حيث البرهان قطعي الدلالة على وجوب طاعة الوالدين، وحرمة معصيتهما إلا فيما خالف أحكام القرآن، فتدبر:

«وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً»

إن قوله تعالى: «فَلا تُطِعْهُمَا»، يعني وجوب طاعتهما في كل شيء غير «الشرك بالله»، ومما لا شك فيه أن طاعتهما فيما يخالف أحكام القرآن يعني أنهم اتخذوا «إلههم هواهم»، أي أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا.

لماذا لا يتذكر الأبناء قيام الوالدين بشؤونهم يوم أن كانوا ضعفاءً عاجزين، لا يملكون لأنفسهم نفعًا، ولا يقدرون أن يدفعوا عنها ضررًا، ويعملان على سعادتهم في كل شيء، يوم أن تعذر عليهم عمل أي شيء؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى