نحو إسلام الرسول

(876) 7/9/2017 دفاعاً عن القرآن (22)

لا تُربّوا في بيوتكم أجيالاً من الملحدين ثم تُعاقبوهم!!

قرونا من الزمن والمسلمون يتوارثون «النفاق» باعتباره «الإسلام»، وكانت النتيجة التي لا تخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة: انتشار ظاهرة «الإلحاد في الآيات القرآنية» واتساعها يوما بعد يوم، ولكن لماذا؟!

لأن «الإلحاد» لا يسكن إلا في القلوب التي لم يدخلها «الإيمان» أصلًا، أو دخلها ثم خرج منها، فعندما تغيب مظلة «الإيمان» عن البيت «المسلم»، وتغيب فريضة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» خشية أن يُصبح «البيت» في نكد ليل نهار، فقد سَلّمْنَا قلوبنا للملحدين ونحن لا نشعر!!

وفي ظل هذا «البيت» الذي لا يُعرف لأهله هوية، نرى فريقًا من المسلمين لا يعلمون عن «دين الإسلام» إلا المحافظة على أداء الصلوات الخمس، وإلزام أبنائهم بها وتحفيظهم ما تيسر من سور القرآن، ثم تأتي الفرائض الأخرى على الطريق، فإذا نظرت إلى اهتماماتهم وما يشغل بالهم، لن تجد إلا حب الدنيا وزينتها.

مثال: انظر حولك، هل تجد من يفهم معنى «الاصطبار على الصلاة» الوارد في قوله تعالى:

«وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى»
وعلاقته بـ «الاصطبار» لـ «العبادة» الوارد في قوله تعالى:

«رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً»؟!

ولماذا تعدي فعل «الاصطبار» بحرف «على»، عند الحديث عن «الصلاة»، فقال تعالى «وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»، أما عند الحديث عن «عبادة الله» تعدي بحرف «اللام» فقال تعالى «لِعِبَادَتِهِ»؟!

الجواب: تأتي صيغة «الافتعال» في «اللغة العربية» لإفادة «قوّة الفعل»، الذي إذا تعدى بحرف «اللاّم» كان لإفادة أن الأمر يحتاج إلى المبالغة في مجاهدة النفس وثبات العزيمة أمام التحديات التي سيتعرض لها المؤمن، لذلك استخدمت هذه الصيغة في سياق الأمر بـ «العبادة»، فقال تعالى:

«رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ»

إن «العبادة»، بمفهومها العام، تَحْمل تكاليف كثيرة، قَلَّ من يصبر لها «مُصطبراً»، أي صبراً عظيماً يبذل فيه غاية جهده، للثبات عليها وإدامتها.

أما إذا تعدى فعل «الاصطبار» بحرف «على»، كان لإفادة أن في أداء الفعل مشقة تحتاج إلى مزيد من «الصبر»، لذلك قال «وَاصْطَبِرْ»، ولم يقل «وَاصْبِر»، لأن في «اصطبر» مبالغة في «الصبر».

ونستطيع الآن من استخدام صيغة «الافتعال» في هذا السياق، أن نفهم معنى «الصلاة» وكيفية أدائها، وأنها ليست كما يفهم وينشر «الملحدون» مجرد تلاوة لبعض الآيات القرآنية، وقت الفجر ووقت العشاء، من غير هيئة من «قيام وركوع وسجود»!!

إن إقام «الصلاة» عملٌ شاق، وليست فقط قراءة آيات، فهناك خمس وقفات في اليوم، «في البيت والعمل»، يجب على «المؤمن» أن يعمل لها ألف حساب، وهو يضع مواقيت «الصلاة» في أجندة أعماله اليومية.

فهل عندما يسمع المسلمون «الله أكبر»، يتركون كل شيء يكون «الله» أكبر منه، ويسعون إلى تلبية النداء، كما أمرهم الله:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ»؟!

نعم، إن إقام «الصلاة» عملٌ شاق، يجب أن يحرص المؤمنون على ترسيخ هذا المفهوم عند الأبناء، فـ «الصلاة» ليست مجرد حركات يُسرع المسلمون لأدائها لترتاح قلوبهم من أداء الواجب المفروض عليها يوميًا.

إن لـ «إقام الصلاة» معاني ومفاهيم تتعلق بأصول الدين، «ملة وشريعة»، يجب أن يتعلمها الأبناء، وأن يغرس الآباء في قلوبهم حب واحترام الالتزام بأحكام القرآن.

فأين البيوت التي نرى فيها الأبناء يستيقظون لصلاة الفجر قبل الوالدين؟!

أليست «صلاة الفجر» من «الصلوات الخمس» التي فرضها الله على كل من آمن وسلّم لأحكام القرآن تسليما، فلماذا لم يتعوّد أبناء المسلمين على أداء «صلاة الفجر»، من منطلق الفهم الواعي لمعنى «الله أكبر»؟!

هل تعلمون أن الخطاب القرآني لـ «الذين آمنوا»، خطابٌ يقيم «البيت المؤمن» على «أصول الإيمان»، انطلاقا من قوله تعالى:

«قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»

ومن قوله تعالي:

«اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ، وَأَقِمْ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ»؟!

إنها منظومة إيمانية تربوية متكاملة، فأين البيوت المؤمنة التي تعيش داخل هذه المنظومة؟!

الحق يقال، إن هذه المنظومة نجدها في بيوت الجماعات السلفية والجهادية والداعشية، والسبب:

التزامهم بـ «المظهر الإسلامي العام» الذي يجعل الأبناء يشعرون بالانفصال التام عن المجتمع الذي يعيشون فيه، فيسهل عليهم إسقاط أحكام التكفير على هذا المجتمع!!

وعليه، فقد علم أقطاب الإلحاد أن «دين الإسلام» يقوم على منظومة تربوية، فإذا أسقطوا هذه المنظومة سقط «الدين»، وفي سبيل ذلك ابتدعوا بدعة جديدة تفرق بين «الوالد»، و«الأب»!!

في كتابه «الإسلام والإيمان» وتحت عنوان «الأبوان والوالدان»، كتب المفكر الإسلامي محمد شحرور يقول:

«إن هناك أولاداً بالولادة، وأولاداً بالتربية، فالتربية هي التي تجعل منهم كفاراً فجاراً، أو تجعل منهم مؤمنين صالحين، والمربون في هذه الحالة هم الآباء وليس الوالدين».

ويقول: «فإذا قام الوالدان بالتربية المادية والمعنوية، بالرعاية والانفاق، أصبحا أبوين، وإذا قام غير الوالدين بهذه التربية والرعاية كانا أبوين أيضاً»

إن كل ما كتبه «محمد شحرور» في هذا «الفصل الثالث» من كتابه، ليس له أي قيمة علمية في ميزان البحث العلمي، خاصة إذا كان متعلقًا بأحكام القرآن، والسبب:

أنه لا يسعى إلى دراسة القرآن من أجل الوقوف على الحق الذي يحمله، وإنما من أجل قلب أحكامه رأسًا على عقب، وقد فعل ذلك بمحارم النكاح، وبأنصبة المواريث، وبأحكام إبداء الزينة..، وكل من يفعل ذلك يسقط سقوطًا مخزيًا أمام «العلماء».

إن منهج «القص واللصق» الذي يتبعه «محمد شحرور» في كل إنتاجه الفكري لا يكتشفه إلا «العلماء»، و«المنهجية العشوائية» التي يتبعها في استنباط أحكام القرآن لا تكشفها إلا «المنهجية العلمية»، ويكفي لإسقاط كل نتائج هذا الفصل قوله تعالى:

«وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً… وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً»

إن السياق يتحدث عن «الوالدين»، والله يشهد بدورهما في «التربية»، أما «محمد شحرور» فيرى أن الذي يقوم بالتربية «الأبوان»، وعشرات الآيات غير هذه الآية تكذبه!!

ثم يكشف صراحة عن أهداف قراءاته القرآنية المعاصرة فيقول في ختام دراسته:

«هنا تتضح لنا المأساة بكل جوانبها، حين نرى أن الخلط بين الأبوين والوالدين، وعدم التفريق بينهما بدقة كما فرق التنزيل الحكيم، لا يقتصر على شكليات سطحية.. بل يمتد
أثرها لتنعكس خلطاً على:

«محارم النكاح – وإبداء الزينة – وأنصبة المواريث»

وهذا ما فعله فعلا، حيث قلب أحكام هذه المسائل رأسًا على عقب، ويرجع الفضل أولا وأخيرا للقراءات القرآنية المعاصرة، التي ستأخذ بالمسلمين إلى العالمية!!

طبعا إلى عالمية الإلحاد!!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى