عندما يؤمن «محمد شحرور» بـ «إسلام واحد»، و«إيمانين»!!
قلت في المنشور السابق إن «الإيمان» عند «محمد شحرور» إيمانان:
١- الإيمان «بالله واليوم الآخر والعمل الصالح»، ويسميه «الإسلام».
٢- الإيمان بـ «النبي محمد» وكتابه، وأداء الشعائر من «صلاة وزكاة وصيام وحج..»، ويسميه «الإيمان».
وأن «الإسلام» عنده إسلام واحد هو الذي عليه أهل الأرض، من الذين يؤمنون «بالله واليوم الآخر والعمل الصالح»!!
وهذا يؤكد أن كل الصفات التي وصفت به «محمد شحرور» في المنشورات السابقة حقيقة تشهد بها قراءاته المعاصرة للقرآن.
أولا:
إن مفهوم «الإيمان» في اللسان العربي، وما أجمعت عليه مراجع اللغة العربية، وما ذكره صاحب «مقاييس اللغة»:
«أمن»، الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما «الأمانة»، التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب، والآخر «التصديق».
والحقيقة أن المعنيين متلازمان، فلا تصديق دون أمن وطمأنينة.
و«المؤمن» اسم فاعل للموصوف بـ «الإيمان»، وأصله أمن يأمن أمنا، فإذا وَصَفَ الله تعالى نفسه بهذا الاسم «المؤمن» فهذا معناه:
أن الله تعالى «أمَّنَ» الناس ألا يظلمهم، وأنه يَصْدق المؤمنين وينصرهم إذا أقاموا أيمانهم على أصول الإيمان، والتزموا بأحكام شريعته.
يقول الله تعالى:
* «قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
* «ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ»
ويقول تعالى على لسان أولاد يعقوب عليه السلام:
«وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ»
أي أنك لن «تأمن» لكلامنا وتصدقه، ولو كنا صادقين حقًا.
وخلاصة القول:
* أن «الإيمان»: الأمن لأمر «غيبي» تصديقاً واعترافاً وقبولاً.
وعليه، فلا علاقة مطلقا بين ما ابتدعه «محمد شحرور» من أن «الإيمان» إيمانان، وبين ما جاء به «السياق القرآني»، وما جاءت به مراجع «اللغة العربية»، التي حفظ الله بداخلها «لسان العرب»، والذي بيّناه في المنشور السابق.
ثانيا:
أما «الإسلام»، فمعناه في «لسان العرب»:
الانقياد والخضوع والتسليم، يقال: أسلم واستسلم وانقاد، ومنه قوله تعالى «فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ»، أي فلما استسلما لأمر الله وانقادا له.
فإذا ذهبنا إلى السياق القرآني، وجدناه يأتي على معنيين:
* الأول: انقياد واستسلام ذرات المخلوقات لسنن الله وأوامره، قال تعالى:
«أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»
* الثاني: الانقياد والاستسلام لـ «دين الإسلام» الذي بعث الله به رسوله محمدًا، وأمر «الناس جميعًا» الإيمان به واتباعه.
وهنا افترق «الإسلام» إلى «إسلامين»:
١- الإسلام الحق، الذي قام على الإقرار والتصديق بأصول «الإيمان».
٢- الإسلام الباطل، الذي قام على إظهار «الإسلام»، والكفر بأصول «الإيمان»، وهو الذي بيّنه الله تعالى بقوله:
«قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ»
وخلاصة القول:
* أن «الإسلام»: الانقياد والتسليم «الظاهر» لأصول «الإيمان» وللأحكام القرآن، وإن كان «القلب» كافرًا بها.
وإذا كان مفهوم «الإسلام» عند المفكر الإسلامي «محمد شحرور» هو: الإيمان «بالله واليوم الآخر وعمل الصالحات»، حسب منهجيته العشوائية في فهم القرآن، فماذا يقول في قوله تعالى:
«وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير»
هل يعلم لماذا قال إبراهيم عليه السلام «مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ» ولم يأت بـ «العمل الصالح» في هذا السياق؟!
لأن إبراهيم، عليه السلام، يعلم جيدًا الفرق بين «الإيمان» و«الإسلام»، وأن عطف «العمل الصالح»، المتعلق بـ «أركان الإسلام» لا يصح في سياق الحديث عن «أركان الإيمان»، التي يقابلها «الكفر»، وهذا ما أفاده قوله تعالى بعدها: «وَمَنْ كَفَرَ»!!
ثالثا:
ويقول تحت عنوان «الإيمان والمؤمنون»:
ومن هنا نفهم الآية التي زعموا أنها تحوي أركان الإيمان وهي قوله تعالى:
«آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»
تدبروا جيدًا قوله: «الآية التي زعموا أنها تحوي أركان الإيمان»، ومفهوم هذه الآية في إطار ما بيّناه في المنشور السابق الذي بعنوان: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ»، واحكموا أنتم على هذا الرجل بما شئتم، بعد أن تتدبروا ما قاله تحت هذه الآية:
هنا نلاحظ قوله «المؤمنون» جاءت بعد «الرسول»، وبما أن أتباع محمد (ص) هم «المؤمنون» قال: «والمؤمنون كل آمن…»، وبما أن أركان الإيمان تكاليف ضد الفطرة جاءت الآية التي تليها تقول «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها…»
فهل بعد هذا «الهراء» من تخبط وعشوائية فكرية؟!
رابعا:
إن المفكر الإسلامي «محمد شحرور» فهم من قوله تعالى:
«لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا»
أن النفس تأخذ من أحكام القرآن حسب ما تستطيع تحمله!!
لقد خلط «محمد شحرور» بين هذه الآية وبين قوله تعالى في سياق بيان أحكام الإِنفاق على المعتدات والمرضعات:
«لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا»
إن قول الله تعالى:
«لا يكلف الله نفساً إلا وسعها…»
معناه أن الله لم ينزل أحكام القرآن إلا وهو يعلم أنها مما يُطاق ويُستطاع أداؤه وتحمله، فهو كما يقول أهل اللغة من إطلاق المصدر وإرادة المفعول، أي أن الله لا يُكلف الناس ما لا يطيقون فعله.
أما قوله تعالى:
«لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا»
فمعناه ألا يُطلب من المُنفِق أكثر من مقدُرته.
فماذا تقولون أيها «المساكين علميًا» في شيخكم ومعلمكم، الذي لا يعلم الفرق بين الآيتين، والذي وسَمْتُموه بزعيم القراءات القرآنية المعاصرة؟!
محمد السعيد مشتهري