«البيان الختامي» الكاشف عن خطورة «العشوائية الفكرية»
ليس خلافًا في الرأي، ولا حرية فكر
إنهم يعبثون بكلام الله، «الآية القرآنية» العقلية الدالة على أن الله حق، وأن الرسول حق، وأن القرآن الذي بين أيدينا حق.
إن خلافي ليس مع «أشخاص»، وإنما مع «أفكار»، مع فهم «معوج» لأحكام القرآن، مع «افتراء الكذب» المتعمد على الله تعالى.
إن خلافي مع الأعجمي، الذي لا يفقه شيئًا عن «اللغة العربية»، ثم أراه يؤلف كتابًا في تفسير القرآن باللغة العربية، وأرى أمامي جُملًا مكتوبة بالعربية، عبارة عن «طلاسم»، و«شفرات»، لا يدل على أنها تفسير للقرآن إلا وجود آيات قبلها وبعدها!!
كيف تدعي أنك تتدبر القرآن وتستنبط أحكامه، وأنت جاهلٌ بلسان العرب الذي نزل به القرآن، والذي حفظه الله في مراجع «اللغة العربية»؟!
إن الكفر بـ «التراث الديني» للفرق والمذاهب المختلفة، وبمروياته، لا علاقة له مطلقا بوجوب فهم القرآن بأدوات مستنبطة من داخله، وفي مقدمتها اللغة العربية، التي تعلمها العرب جميعًا في المدارس.
إن الذي يخلع ثوب «اللغة العربية»، ويذهب ليتدبر القرآن، لابد وأن تظهر عوراته الفكرية، كيف تتدبر القرآن وأنت «أعجمي»؟!
إن أزمة «الفكر الديني» التي سوّدت شبكات التواصل الاجتماعي، تكمن في أن المستخدمين لهذه الشبكات، معظمهم من عامة الناس، الذين يرون أن «نجم المفكر» يعلو كلما علت نسبة المعجبين به، وليس بما يحمله من «علم»!
لذلك كان منهج «القص واللصق» في قراءة القرآن واستنباط أحكامه، هو الأسلوب الذي يُميّز منشورات كل من لا يملك «منهجية علمية»، تحمل أدوات، لفهم القرآن، ولقد سبق بيان ذلك في عشرات المنشورات، وكان آخرها المنهج العشوائي الذي استنبط الصديق عاطف الحاج محمود على أساسه معنى كلمة «النسيء» من القرآن.
لقد طلبت من الصديق عاطف الحاج محمود الأمس، أن يأتي بمعنى الآية الأولى من سورة قريش من داخل القرآن، وكان ذلك في إطار إضافة المزيد من «التحديات»، لبيان سقوط منهجه في تدبر القرآن من قواعده.
فتعالوا نرى كيف استنبط عاطف الحاج معنى كلمة «قريش» من داخل القرآن.
يقول تحت عنوان: «مفهوم قريش من القرآن الكريم»
أولا: أين ذكر الإيلاف في القرآن؟!
* تعليق:
طبعا لأن الصديق عاطف الحاج لا دراية له باللغة العربية، ظن أن كلمة «لإِيلافِ» الواردة في جملة «لإِيلافِ قُرَيْشٍ»، كلمة واحدة، ولم ينتبه إلى أنها كلمتان: «لـ»، و«إيلاف»!!
لقد ترك «لـ» التي هي مفتاح فهم كلمة «قريش» وعلاقتها بالسورة التي قبلها، وراح يبحث عن الآيات التي تتحدث عن تأليف القلوب!!
لقد جاء بالآية «١٠٣» من سورة آل عمران، التي وردت فيها جملة «فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ»، ثم أقام على هذا الفهم قوله:
– «أليس هذا النص القرآني موجهاً للنبي ومعاصريه»؟!
– «هل معاصري النبي هم فقط أبناء القبيلة التي ينتمي إليها الرسول فقط
أم أن معاصريه من كل القبائل»؟!
ـ «إذن لماذا فهم الناس أن قريش هي العائلة أو القبيلة التي ينتمي لها الرسول»؟!
* تعليق:
طبعا لأنه يقرأ القرآن بمعزل عن أي أدوات معرفية من خارجه، فلا يعلم أن الله يشهد في هذه السورة، والتي قبلها، أن «قريش»، هي مجموع القبائل التي كانت تسكن «مكة»، قبل بعثة النبي، وكانت فيهم جميع المناصب، وأهمها أعمال «الحج»، ومنهم الذين ابتدعوا «النسيء».
ثم جاء بالآية «٦٠» من سورة الأنفال، لورود جملة «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ»، ثم قال:
«ألّف بين قلوب من»؟؟ «أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وبين قلوب الذين كانوا يريدوا أن يخدعوا الرسول، ومن هذه النصوص أفهم أن قريش هو اسم يحدد معاصري الرسول الذين آمنوا بدعوته»
* تعليق:
طبعا لأنه يقرأ القرآن بمعزل عن أي أدوات معرفية من خارجه، فلا يعلم أن «قصة الفيل» كانت قبل بعثة النبي بأربعين سنة، وأن سورة «قريش» التي جاءت تابعة لها، بدليل كلمة «لـ»، تتحدث عن نعمة الله على قبائل قريش، أن أعادهم إلى بلدهم «مكة» بعد أن أهلك أصحاب الفيل.
ثم قال:
«وبالعودة الى سورة قريش، هل الخطاب: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ» موجه لقبيلة الرسول كما يدّعى التاريخ، أم أنه خطاب موجّه لكل من عاصر الرسول»؟!
* تعليق:
نعم إن الخطاب لجميع قبائل قريش، أي لأهل «مكة»، الذين بعث الله فيهم نبيه الخاتم، يذكرهم بما أنعم عليهم به منذ عقود من الزمن:
«الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»
القاصمة:
أولا: عندما علمت قبائل قريش بقدوم جيش «أصحاب الفيل»، تركوا مكة وتفرقوا في البلاد، وضاعت عليهم «رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ»، فلما أهلك الله «أصحاب الفيل»، عادت «قريش» إلى مكة، وانتظمت «رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ»، فالله تعالى يذكرهم بأحداث قبل بعثة النبي بعقود من الزمن.
ثانيا: إن الذي فهمه الصديق عاطف، استنادا إلى الآيات التي ورد فيها تأليف القلوب، لا علاقة له مطلقا بجملة «لإِيلافِ قُرَيْشٍ»، ولا بـ «إِيلافِهِمْ»، التي وردت في جملة:
«إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ»
لأن هذه الجملة الأخيرة معطوفة على الجملة الأولى «لإِيلافِ قُرَيْشٍ»، عطف بيان، يكشف عن أهمية الـ «لـ» في كلمة «لإِيلافِ»، والتي يُفهم منها أن هناك علاقة بين أول سورة «قريش»، وسورة «الفيل»:
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ…»
«لإِيلافِ قُرَيْشٍ … فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»
وخلاصة القول في هذه العلاقة:
١- فرق بين أن تقول: ألفت «بين» أشياء، وأن تقول: آلف الشيء.
إن الله لم يقل «لإِيلافِ (بين) قُرَيْشٍ»، إلا إذا كان الصديق عاطف سيقبل قواعد «اللغة العربية» ونعتبر أن (بين) من المفهوم الضمني، وإلا كان استدلاله بجملة «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» ليس في محله!!
٢- إن «الإلف» بكسر الهمزة، في «إِيلافِ»، غير فتحها في «أَلَّفَ» مع تشديد اللام، والتي تأتي بعدها «بَيْنَ».
إن «إيلاف» مصدر «آلف»، و«آلفه»، أي جعله يألف الشيء، فيقال: فلان قد ألف هذا الشيء، وآلفت فلاناً هذا الشيء، أي جعلته آلفاً له.
ففرق بين أن تَأْلَف الشيء، وتُؤلِف «بين» الأشياء.
والمعنى:
لقد أنعمنا عليكم بإهلاك أصحاب الفيل، لتعود قبائل قريش إلى «إلفهم» لبلدهم مكة، «لإِيلافِ قُرَيْشٍ»، الذي ينشأ عنه طمأنينتهم وهيبة الناس لهم، وكذلك إلى «إلفهم» الرحلتين «إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ»، بعد هلاك أعدائهم.
محمد السعيد مشتهري