عندما يُخربون بيوتهم الفكرية بأيديهم وأيدي المعجبين!!
* شيء غريب وفي منتهى الخطورة، أن تجد من أنعم الله عليه بنعمة البصر، يرى الشمس ساطعة ويقول إنها الأرض التي يقف عليها!!
* شيء غريب وفي منتهى الخطورة، أن تجد عاقلا يقول إن كلمة «قريش» التي وردت في سورة قرآنية سُمّيت باسمها، ليست هي «القبيلة» المعروفة تاريخيًا!!
يا أيها المتدبر لكتاب الله، إذا كنت مسلمًا، وتؤمن بأن هذا القرآن من عند الله، فما معنى: «لإِيلافِ قُرَيْشٍ»؟!
وما علاقة «لإِيلافِ قُرَيْشٍ» بقوله تعالى بعدها: «إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ»؟!
فإن لم تأت بالمعنى من القرآن، فأقل ما يجب أن توصف به هو «الجهل»، وتزيد البلة طين، عندما تقول:
«إن قريش تعني حركة موجهة محددة المسار إلى اتجاه معين بتكرار منظم ممتدة في الزمان بتشعب وانتشار»
طلاسم ماشي، وكلام جميل، وأسلوب أجمل، ومصطلحات أجمل وأجمل، ولكن المهم، والذي هو موضوعنا:
هل هذه «الطلاسم» موجودة في القرآن؟!
* شيء غريب وفي منتهى الخطورة، أن تجد عاقلا يقول إن سبب «البلاء» الذي نحن فيه هو «اللغة العربية»!!
تقريبا كان يقصد إن السبب هو «الغباء» فكتبها «البلاء»، والحقيقة لا فرق، فـ «الغباء» بلاء!!
* شيء غريب وفي منتهى الخطورة، أن تجد عاقلا يقول:
«إن بيان القرآن من داخل القرآن نفسه هو أعلى درجات المعرفة، وأقرب الطرق للوصول إلى الحقيقة»
طبعا، عندما يكفر باللسان العربي، الذي نزل به القرآن، والذي حفظه الله بمراجع اللغة العربية، ويكفر بمنظومة المعارف الموجودة خارج القرآن، والتي تتفاعل معها الكلمة القرآنية، يصبح من السهل عليه خداع «الغلابة» الذين لا يفقهون مثله، لا لغةً ولا سياقًا ولا معارف، لذلك يقولون له: آمين، ظنا منهم أنه جاء بالحقيقة!!
* شيء غريب وفي منتهى الخطورة، أن يقول الصديق عاطف الحاج في تعليقه:
ـ أنا لا أعترف باللغة العربية لبيان القرآن
– ولا أعترف بتاريخ العرب والمسلمين لبيان القرآن
– ولا أعترف بما وجدنا عليه آباءنا لبيان القرآن
– لا يمكن قرآنية فهم القرآن إلا من داخل القرآن نفسه
فتعالوا نرى ماذا أسفرت عنه هذه المنهجية الفكرية.
يقول عن معنى «النسيء»:
النسيء هو: «القتال في الأشهر الحرم»
النسيء: «القتال في الأشهر الحرم» زيادة في الكفر.
ومع أنه لا يؤمن بوجود ترادف في القرآن، إلا أنه يقرأ الآية هكذا:
– «إِنَّمَا (القتال في الأشهر الحرم) زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ»
(أولا): لقد جاء وصف الأشهر في القرآن بأنها «حرم» كـ «خبر»، قال الله بعده: «ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»
ومعنى هذا الأسلوب الخبري، أن العرب المخاطبين بهذه الآيات كانوا يعلمون وهم في جاهليتهم حرمة القتال في هذه «الأشهر الحرم»، وكان امتناعهم عن القتال في هذه الأشهر يُضيّع عليهم مصالح مادية وحربية كثيرة، الأمر الذي جعلهم يأخذون ببدعة «النسيء»، واستحلال الأشهر الحرم.
إذن فالقول: إن «النسيء» هو القتال في الأشهر الحرم، وهو «زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ»، لم يُضف جديدًا إلى معنى «حرمة القتال في الأشهر الحرم» عند العرب!!
(ثانيا): إن الزيادة في الكفر، التي يفعلها «النسيء»، تعني أن هناك كفرًا أصلًا سابق هذه «الزيادة»، ثم أصحابه ازدادوا كفرًا بهذا «النسيء»، فكيف إذن نفهم قوله تعالى بعدها:
«يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا»؟!
الآن ستصبح الآية هكذا:
– «إِنَّمَا (القتال في الأشهر الحرم) زِيَادَةٌ فِي الْكُفْر» – «يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا»!!
فكيف يُضل «الكافرون»، الذين ازداد كفرهم «لأنهم قاتلوا في الأشهر الحرم»، كيف يُضلّوا «الَّذِينَ كَفَرُوا»؟!
ثم تعالوا نفهم قول الله بعدها: «يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً»، فتصبح الآيات:
– «إِنَّمَا (القتال في الأشهر الحرم) زِيَادَةٌ فِي الْكُفْر» – «يُضَلُّ (القتال في الأشهر الحرم) الَّذِينَ كَفَرُوا» – «يُحِلُّونَ (القتال في الأشهر الحرم) عَاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً»
ثم تأتي «القاصمة» التي قصمت ظهر بدعة «القرآن يُبيّن نفسه بنفسه»، فماذا نقول في قوله تعالى بعدها:
«لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ»، والذي يعني «ليحافظوا على عدة الأشهر الحرم»!!
إذن فمعنى «النسيء»، الذي فهمه العرب، وغير موجود في القرآن، ليس (القتال في الأشهر الحرم)، وإنما أنهم كانوا، من أجل مصالحهم وأهوائهم، يُحَرّكون أسماء «الأشهر الحرم»، لتحل محلها الأشهر الحلال، المهم أن يكون عدد الأشهر الحرم في السنة «أربعة»، وهذا معنى قوله تعالى:
«لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ»
ولذلك وصف الله فعلهم هذا بقوله تعالى بعدها:
«زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»
إن «الزيادة» في الكفر، التي كان يفعلها «النسيء»، هي:
أن تحريك الأشهر الحرم «نظريًا»، واستحلالها «واقعيًا»، فيُطلقون على شهر «محرم» صفر، ليقاتلوا فيه، باعتباره شهرا حلالًا، وهو في الحقيق من «الأربعة الحرم»، هذا «النسيء» هو الذي زاد كفرهم كفرًا!!
(ثالثا): ثم جاء الصديق عاطف الحاج ببدعة جديدة من إبداعاته، واكتشف «حسب فهمه» العلاقة بين «النسيء»، و«المنسأة»، فقال:
– النسيء هو: «القتال في الأشهر الحرم»
– النسيء: «القتال في الأشهر الحرم» زيادة في الكفر
– قتال الكفار للرسول والذين آمنوا معه كفر
– قتال الكفار للرسول والذين آمنوا معه «في الأشهر الحرم» زيادة في الكفر
ـ خدمة الجن «بأمر الله» للنبي سليمان وهو حي أمر عادي
– أن تستمر خدمة الجن للنبي سليمان بعد موته هو زيادة عن الأمر العادي
– المنسأة هي التي زادت في مدة خدمة الجن للنبي سليمان بعد موته
– بدليل أن الجن توقفوا عن الخدمة بعد أن أُكلت المنسأة
– المنسأة زادت الخدمة
– النسيء يزيد الكفر
والحقيقة لا تعليق، ولكن سؤال:
يقول الله تعالى في سياق بيان قصة سليمان عليه السلام:
«فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ»
١- لماذا لم يُبيّن لنا الصديق عاطف الحاج معنى كلمة «مِنسَأَتَهُ»، وقال فقط: «بعد أن أُكلت المنسأة»؟!
ماذا تعني كلمة «المنسأة» من داخل القرآن؟!
ولماذا لا تكون دابة الأرض كانت تأكل أي شيء في جسم سليمان حتى سقط «فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ..»؟!
٢- يقول: «أن تستمر خدمة الجن للنبي سليمان بعد موته هو (زيادة) عن الأمر العادي»
وهذا الكلام يكذبه السياق، لأن الجن كانت لا تعلم أصلا أن سليمان مات، فكانت تعمل عملها المكلفة به بشكل طبيعي، ظنًا منها أنه حي.
فمن أين جاء الصديق عاطف بـ «الزيادة»، والله يقول:
«فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ»
إن الهدف من سياق هذه الآية بيان انفراد الله بعالم الغيب، وهذا ما تبيّن للجن عندما علمت بموت سليمان، وساعة أن علمت بموته توقفت عن الأعمال التي كانت مكلفة بها، فمن أين جاء الصديق عاطف بقوله:
«المنسأة هي التي (زادت) في مدة خدمة الجن للنبي سليمان بعد موته»
يا أخي كفانا «قص ولصق»!!
أين هي هذه «الزيادة» التي تريد إقحامها في الموضوع لتوثيق بدعة «القرآن يبين نفسه بنفسه»، ولإيجاد علاقة بين «النسيء زيادة في الكفر»، و«المنسأة»؟!
إن الفترة بين أكل الدابة للمنسأة وسقوط سليمان، لا يعلمها إلا الله، وخلالها كانت الجن تقوم بعملها بصورة طبيعية، فأين أشار سياق الآية إلى هذه «الزيادة» في الخدمة التي قامت بها الجن؟!
فلنا أن نتخيل، «منهجية» تدّعي تدبر القرآن، يتبعها المئات، ولا علاقة لها مطلقًا، بقول الله تعالى:
«كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ»
محمد السعيد مشتهري