عندما ينقل القرآن ما كان يحدث في عصر التنزيل
لقد انتظر الذين «كفروا من أهل الكتاب» أن يؤيد الله رسوله محمدًا بـ «الآيات الحسية»، كالتي أيد بها رسلهم، وقالوا:
«وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»
ثم بيّن الله لهم أن «الآيات الحسية» التي عرفوها تنتهي فعاليتها بوفاة الرسل، وقد شاء الله أن يكون رسوله محمد خاتم النبيين، فأيده بـ «آية قرآنية» يحملها كتابه، تكون باقية بعد وفاته إلى يوم الدين، فقال تعالى:
«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
أو لم يكف الوجود البشري، «كتاب الله» الذي حمل «الآية القرآنية» الدالة على صدق «نبوة» رسوله محمد، ليؤمنوا به ويتّبعوه، لينالوا رحمة الله؟!
إن هذا هو المدخل الوحيد للرد على أي ملحد يريد أن يعبث بالأصول التي قام عليها «الإسلام»، هذا «الدين» الذي ارتضاه الله للناس جميعًا.
فكيف فهم «محمد شحرور» قال الله تعالى:
«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»
حسب منهجيته في فهم القرآن، واستقطاعه الآيات من سياقاتها، حكم على أهل الأرض جميعا بأنهم «مسلمون»، وقال تحت عنوان «الإسلام والمسلمون»:
* «إن المسلمين ليسوا أتباع محمد حصراً»
والقرآن يشهد بأن الذين لم يؤمنوا بالنبي الخاتم محمد، ولم يتبعوا كتابه «كافرون»، ولو كانوا أهل الأرض جميعًا.
ولكن من الضروري أن أبيّن أننا لا نُرتّب على مسألة «الكفر» أي موقف عدائي للكافرين، لا بقتلهم، ولا باستحلال أموالهم وأعراضهم، فكل أتباع ملة من الملل «كافرون» بالملل الأخرى.
لذلك ليس من «المنهجية العلمية» في شيء أن نضع أمام الناس آيات تتحدث عن إسلام الأنبياء والرسل، وإسلام الذين آمنوا معهم، كلٌ في عصره، ثم نخرج بنتيجة أن الناس جميعا «مسلمون»، بدعوى أنهم يؤمنون «بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح»
هذا هو مفهوم «الإسلام» عند «محمد شحرور»
فتعالوا نتدبر ماذا قال «الله» تعالى، الذي يعتبرون الإيمان به من أركان «الإسلام»، عن وجوب اتباع «دين الإسلام» الذي جاء به رسول الله محمد، فقال تعالى:
«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»
فهل معنى «وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ» أنه في «الجنة»؟!
تعالوا ندرس السياق الذي وردت فيه هذه الآية، لنعلم هل الذين لم يؤمنوا برسول الله محمد مصيرهم الجنة أم جهنم، وإذا كانوا في جهنم فهل يصح وصفهم بـ «المسلمين»؟!
أولا:
يبدأ السياق بقوله تعالى «الآية ١٩ من سورة آل عمران»:
«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»
لقد قلنا مرارا إنه يستحيل فهم القرآن بمعزل عن «اللغة العربية» وعلومها، فقد بدأت هذه الآية بصيغة «الحصر»، وحرف التوكيد «إنَّ»، لنفهم أنه لا دين مقبول عند الله إلا «دين الإسلام» الذي جاء به رسوله محمد، وبرهان ذلك قوله تعالى بعدها:
«وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ..»
الذي يُبيّن أن أمر اختلافهم في أصول «دين الإسلام» الذي جاء به جميع الرسل، كان أمرًا معروفًا ومشهورًا بين الناس في عصر التنزيل.
لقد خاطبهم الله بأسلوب يكشف سبب اختلافهم في هذا الدين:
«مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ»
والمقصود بـ «العلم» الآيات البيّنات التي كفروا بها، لذلك قال تعالى بعدها مؤكدا على أن الاختلاف بينهم كان في أصول الدين:
«وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ..»
ثانيا:
لا ننسى أن القرآن ينقل إلينا بالبث المباشر ما يحدث على مسرح الأحداث في عصر التنزيل، وأن هناك حوارات بين رسول الله وقومه من «أهل الكتاب»، الذين لم يؤمنوا برسول الله محمد، فكانوا «كافرين»، فيقول الله تعالى:
«فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ…»
فما معنى «وَإِنْ تَوَلَّوْا..»؟! أي فإن لم «يُسلموا» وظلوا على كفرهم، فمن أين جاء «محمد شحرور» بالحكم عليهم أنهم «مسلمون»؟!
ثالثا:
ثم تعالوا نفهم، لماذا جاء الله، «في هذا السياق»، ببيان الارتباط الوثيق بين الإيمان به ومحبته، ووجوب اتباع رسوله محمد، فقال تعالى:
«قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ»
أرجو من أتباع المفكر الإسلامي «محمد شحرور» قراءة هذه الآيات وتدبرها، وفهمها جيدًا، لأنهم إن «تَوَلَّوْا»، ولم تتوبوا عن اتباعهم له، «فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ».
رابعا:
ومن على مسرح الأحداث، يعلن الله أن أهل الكتاب «مشركون»، وليسوا «مسلمين»، كما يدعي «محمد شحرور»، فقال تعالى:
«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»
انظروا وتدبروا وتعقلوا هذه الجملة، التي يخاطب الله فيها «المسلمين» أتباع رسوله محمد:
«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»
أي أن «الإسلام» هو «الدين» الذي جاء رسول الله محمد يبلغه للناس، والذين آمنوا به وصدّقوه هم «المسلمون»، والذين تولوا هم «الكافرون»، فهل هذه الحقيقة القرآنية صعبة الفهم حتى نقبل تحريفها؟!
خامسا:
ثم يأتي البيان الواضح وضوح الشمس في كبد السماء:
١- الإقرار أولا بأصول «الإيمان»
٢- «الإسلام» والتسليم لمقتضيات «الإيمان»
فيقول الله تعالى:
«قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»
إذن فـ «المؤمنون المسلمون» أتباع «النبي محمد» يُقرّون بأصول الإيمان ومنها الإيمان بالكتب والرسل «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ».
ولكن «أهل الكتاب» فرّقوا بين الله ورسله، ولم يؤمنوا برسول الله محمد، ولم يقولوا كما قال «المسلمون» أتباع رسول الله محمد «وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ».
فعلى أي أساس منطقي، قبل أن يكون شرعيًا، نقول إنهم «مسلمون»، والله تعالى يقول:
«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»
أي ومن يبتغ غير «دين الإسلام» الذي جاء به رسول الله محمد فلن يقبله الله منه، فهل فهمنا الآن معنى قوله تعالى بعدها:
«وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»؟!
سادسا:
يقول الله تعالى بعدها:
* «كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ»
* «وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ»
* «وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ»
* «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
* «أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»
* «خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ»
لا تعقيب
محمد السعيد مشتهري