نحو إسلام الرسول

(751) 18/5/2017 زاد الطريق (6)

اعتكف يومًا لتعلم حقيقة إيمانك

وسط منظومة التدين الإسلامي، وعلى مقاعد فتنة «الآبائية» وتفرق المسلمين في «الدين»، يجلس المسلمون وهم مشغولون بـ «الدنيا»، وبهموم «الأولاد»، وبمصيبة «الفضائيات» الهوائية والمحمولة، وأفئدتهم هواء، لا يعلمون إلى أين المسير.

لقد بدأ الله سورة البقرة، ببيان أن الناس ينقسمون إلى مؤمنين، وكافرين، ومنافقين، وأن أول الطريق إلى الإيمان بالله، والتسليم لأحكام شريعته، هو:

أولا:

الوقوف على حقيقة الوحدانية، يقول الله مخاطبًا الناس جميعًا:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»

فالذي عنده إله آخر، هو الذي خلقه، فليُعرّف الناس به.

ثانيا:

الإيمان بأن المشركين يعلمون أنه «لا إله إلا الله»، ولكنهم يخادعون أنفسهم، ويجعلون إلههم هواهم، فيقول تعالى بعدها:

«الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»

ثالثا:

الإيمان بالبرهان الدال على وجوب أن يتبع الناس جميعًا النبي الخاتم محمدا، فقال تعالى بعدها:

«وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»

إن الإنس والجن لم يستطيعوا، ولن يستطيعوا، أن يأتوا بسورة من مثله.

وليس المقصود بالمثلية الإتيان بالجمل القرآنية، كما يظن الجُهّال، وإنما الإتيان أيضا بـ «مسمّيات» كلمات هذه الجمل ومقابلها الكوني في الآفاق والأنفس.

رابعا:

الإيمان بعجز الإنس والجن أن يأتوا بسورة من مثله.

ومن منطلق هذا العجز، يتميز «المؤمن» الذي أقام إسلامه على أساس التصديق بـ «الآية القرآنية»، عن «الكافر» الذي أقام كفره على التكذيب بـ «الآية القرآنية»، فقال تعالى بعدها:

«فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»

خامسا:

وعليه، الإيمان بأن «الجنة» لن يدخلها إلا من أقر بصدق «الآية القرآنية» الدالة على وجوب اتباع النبي الخاتم محمد، وقام بتفعيل نصوصها من خلال مجتمع «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»، فقال تعالى:

«وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»

إن هذا هو أول الطريق الذي يجب أن يسير فيه الإنسان ليصبح «مسلمًا»:

الإيمان بـ «الوحدانية»، وتفعيل نصوص «الآية القرآنية» الدالة على صدق «النبوة» الخاتمة، والتسليم لأحكام «الشريعة القرآنية».

إن هذا هو الطريق، ولا طريق غيره.

لذلك لم يكن غريبًا صرف المسلمين عن هذا الطريق، وإشغالهم بسبل أخرى، تبعدهم عن صراط ربهم المستقيم، فتدبر:

«وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»

وهنا يجب أن نتوقف عند قوله تعالى:

«ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»

إن «المتقي» هو الذي يحذر من مكروه يصيبه، ويخاف من عواقبه، فلا يسير في طريق يوصل إليه، بل ولا يقترب منه أصلا.

وأول ما يجب على «المتقي» الخوف منه، والحذر من السير في طريقه، هو «الشرك بالله».

وتتمثل «التقوى» في اتباع صراط الله المستقيم، الذي أمر الله الناس اتباعه، وحذرهم من اتباع غيره، وكلمة «به» في قوله تعالى:

«ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ»

تبيّن أن الوصية تشمل كل ما يحتويه هذا الصراط المستقيم، وفي مقدمة ذلك الإقرار بـ «الوحدانية»، وهنا يحدث التناغم بين «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» في هذه الآية، وقوله تعالى، السابق الإشارة إليه:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)»

ومن السبل الموصلة إلى «التقوى»، وإلى صراط الله المستقيم، الالتزام بأحكام الشريعة القرآنية، فيقول الله تعالى:

«وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)»

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)»

ومع قدوم شهر «الصيام»، ينشغل «المفكرون الإسلاميّون» كل عام، بما لا يجب عليهم أن ينشغلوا به، فلا نجد حديثًا منهم عن «التقوى» إلا بين السلفيّين، ولا نجد انشغال «غير السلفيين» إلا بهدم كل ما يتبعه «السلفيّون»، ولو أدى ذلك إلى هدم القرآن معه، وقد بيّنت ذلك في خمسة منشورات بتاريخ «٥ – ٨ – ١٠ ـ ١١- ١٢/٦/٢٠١٦».

إن هدم كل ما جاء به التراث الديني، الذي يتبعه السلفيّون «التراثيّون»، هو في الحقيقة جهلٌ بـ «المنهجية العلمية» في التعامل مع القرآن، و«هوس ديني» يجعل صاحبه لا يدري ماذا يكتب.

فعلى سبيل المثال:

ما المشكلة في أن يستغل «التراثيّون» شهر رمضان، فيما تعارفوا على تسميته بـ «ختم القرآن»، حتى نجعل هذا الموضوع محل استهزاء، ونقول كلامًا أستحي ذكره على هذه الصفحة، والذي «يختمه» صاحبه بقوله:

«حد معاه ختم يا أخوة علشان اختم القرآن»؟!

إن الله لم يفرض علينا الصوم إلا في شهر واحد، هو شهر رمضان، فعندما يستغل المسلمون هذا الشهر «الذي أُنزل فيه القرآن»، بتلاوة «جزء» من القرآن يوميا، فبأي منطق نجعل ما يفعلونه هذا مجالا للسخرية؟!

وهل معنى الاستهزاء بكلمة «ختم»، أن نستهزئ أيضا بقوله تعالى:

«مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً»

أنا شخصيا لا أقبل أن يتعامل مؤمن، مسلم، أسلم وجهه لله تعالى، مع القرآن بهذه الصورة التي يتبعها السلفيّون «التراثيّون»، ولكن «المنهجية العلمية»، التي أقمت عليها مشروعي الفكري، تمنعني أن أسخر ممن اعتادوا «ختم القرآن» في شهر رمضان.

لذلك أقول:

ابتعدوا عن القرآن «حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ».

إن هذه الآيات التي بدأ الله تعالى بها سورة البقرة، هي خارطة الطريق لكل من أراد الدخول في الإسلام، على الأصول الإيمانية التي نص عليها الله في كتابه.

«أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ»

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ»

لذلك أنصح كل «مسلم»، يدعي أنه من «المؤمنين»، أن يثبت صحة هذا الادعاء، ويعكف يوما كاملا، وليكن في رمضان، على تدبر القرآن بصورة متصلة بقدر الإمكان، ويسجل كل الآيات التي لا فعالية لها في حياته، ويحصر عددها، ويستخرج نسبتها إلى عدد آيات القرآن، ثم ينظر إلى حاله، وإلى حال المسلمين.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى