إن عالمية «الآية القرآنية» في فعالية «مقابلها الكوني»
هناك فرق كبير بين أن يقول الله تعالى:
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ»
فيكون الحديث عن «اللسان» وليس عن الرسالة.
وبين أن يقول تعالى:
«وما أرسلنا من رسول إلا لقومه»
فيكون الحديث عن «رسالة» خاصة بقوم الرسول فقط.
أما عالمية رسالة النبي الخاتم، فالبرهان عليها تحمله أكثر من آية، منها قوله تعالى:
«قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً»
وقوله تعالى:
«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ»
ولقد قامت عالمية «الآية القرآنية» على أساس تفاعل نصوصها مع مقابلها الكوني، في الآفاق والأنفس، وكان على أهل «اللسان العربي» أن يقوموا ببيان هذا التفاعل للناس، كما أمرهم الله «وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ».
فأين أهل «اللسان العربي»، الذين يحملون «الآية القرآنية العقلية»، وأين موقعهم من هرم التقدم الحضاري؟!
منذ أحداث الفتن الكبرى وإلى يومنا هذا، لم يتعامل المسلمون بجميع توجهاتهم الدينية المختلفة، مع كتاب الله باعتباره رسالة عالمية، حملت «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
لقد تعامل المسلمون مع القرآن باعتباره كتاب بحث ودراسة، فقط لا غير، وذلك على النحو التالي:
١- فريق يؤمن باستحالة استغناء القرآن عن «مرويات السنة»، المبينة لأحكامه.
٢- وفريق يؤمن باستحالة استغناء القرآن عما وافقه من مرويات «السنة»، المبينة لأحكامه.
٣- وفريق يؤمن أن القرآن لا يفهم إلا بالقرآن، دون الاستعانة بأي مصدر معرفي من خارجه.
ومرت قرون من الزمن، ولم أجد أحدًا قدم مشروعًا فكريا يتعامل مع النص القرآني باعتباره «الآية القرآنية العقلية»، التي تشهد على مر العصور، بصدق «نبوة» رسول الله محمد.
مرت قرون من الزمن، ولم تر شعوب العالم المسلمين إلا أمة متخلفة، لا يُفكّر أفرادها إلا في دنياهم، وكيف يهدم أتباع كل فرقة تراث الفرق الأخرى، ويُبيّن فساد تدين أفرادها!!
مرت قرون من الزمن، لم تر الشعوب المسلمة إلا خطابًا دينيًا سلفيًا لا واقع له إلا في عصر السلف، وبجواره خطاب ديني معاصر ومستنير، لا واقع له إلا في الكتب، وفي البرامج الفضائية!!
فلماذا لم تر قلوب المسلمين «الآية العقلية» التي حملها كتاب الله، والتي أمرهم الله أن يُقيموا بها الشهادة على الناس، وأن يخرجوهم من الظلمات إلى النور؟!
لأنهم يعيشون داخل مقبرة «الترف الفكري»، فمنهم من يأخذ المسلمين إلى «عصر التدوين»، يعيشون مع أمهات الكتب التي قام عليها تدينهم الوراثي.
ومنهم من يأخذهم إلى «عصر اللادين»، حيث حرية الاعتقاد، وأن من حق أي إنسان أن يقول في القرآن ما شاء أن يقول، وأن يستنبط منه أحكامًا حسب هواه.
ومنهم من يأخذهم إلى «عصر التفاهة».
إن عالمية «الآية القرآنية» في فعالية «مقابلها الكوني»، وفي أن تفهم شعوب العالم معنى قوله تعالى:
«لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»
«قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ»
محمد السعيد مشتهري