في تعليقه على منشور الأمس، قال الصديق Aamer Fadhel Ahmed
«الآية ٥٥ في سورة التوبة، وسورة التوبة ككل، لم يذكر فيها مصطلح واحد تحت، مسمى أو معنى مرتد، حتى الآية ٧٤ والتي كانت محور النقاش بالأمس لا يدل على الارتداد عن الدين، لأنه يقول «وكفروا بعد إسلامهم»، ولم يقل «بعد إيمانهم»، وهناك فرق كبير في معنى الكلمتين حسب الآية:
«قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»
ثم لو استمريت في تسلسل آيات سورة التوبة ستأتيك الآية:
«فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ»
وهذا تصريح بأن كفر هؤلاء كان النفاق، وليس الارتداد…. أما المرتد أو الارتداد التي تقصده حضرتك، فجاء في موضع (واحد) في القرآن (فقط):
«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ (يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ) إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن (يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ) فَيَمُتْ وَهُوَ (كَافِرٌ) فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
ثم يُعلق على هذه الآية فيقول:
«يقصد الله هنا المؤمنون الحقيقيون (الصحيح أن يقول «المؤمنين الحقيقيين») الذين قاتلوا الكفار، ويحذرهم من الارتداد عن الدين، أما المنافقين (الصحيح المنافقون) فهم أصلا لم يشاركوا في القتال لكي يشملهم التحذير.. أي تحذير بأن يتحولوا إلى مرتدين، وشتانا (الصحيح شتان) بين النفاق والارتداد»
ثم ختم تعليقه بتوجيه هذه النصيحة لي:
«ولا تتسرع ولا تتعصب وخذ المعاني بالمنطق»
التعقيب:
أولا:
يمكن لحضراتكم استكمال الحوار الذي دار بيني وبينه على منشور الأمس.
ثانيا:
لقد كشف هذا التعليق، وأمثاله، عن جوهر الأزمة الحقيقية لما يُسمى بـ «الفكر الإسلامي»، وهو غياب «المنهجية العلمية» عن التوجهات الفكرية التي تتعامل مع القرآن بفكر معاصر، مستنير.
ففي حوار الأمس، قلت للصديق إن من أصول الحوار العلمي، أن يبدأ أولا بتحديد معنى كلمة «الردة»، فعلى أساس هذا المعنى، سنفهم الآيات، ونقيم الحوار، فإن اختلفنا حول المعنى، إذن لا فائدة من استكمال الحوار.
ولم يأت الصديق بالمعنى، وتعليقه يحمل إشكاليات كثيرة، تتعلق بعلم السياق، وبعلوم اللغة العربية، سأكتفي في هذا المنشور بقوله:
«الآية ٥٥ في سورة التوبة، وسورة التوبة ككل، لم يذكر فيها مصطلح واحد تحت، مسمى أو معنى مرتد، حتى الآية ٧٤ والتي كانت محور النقاش بالأمس، لا تدل على الارتداد عن الدين، لأنه يقول وكفروا بعد إسلامهم، ولم يقل بعد إيمانهم، وهناك فرق كبير في معنى الكلمتين حسب الآية:
«قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»
أقول، أولا:
في المنشور الأول «الردة في السياق القرآني»، قلت ما يلي:
«وعندما نقوم بدراسة أحكام الشريعة القرآنية، ينبغي أن نتناول آيات الموضوع الواحد، ولا تقتصر دراستنا على بعض الآيات، تفاديا للاستنتاجات الخاطئة».
وهذا ما وقع فيه الصديق حيث قال:
«لأنه يقول وكفروا (بعد إسلامهم)، ولم يقل (بعد إيمانهم)»
أقول:
لو بحث في السياق القرآني عن وجود كفر بعد إيمان، لوجد الآتي:
١- البقرة «١٠٩»:
«وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ (يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا)»
٢- آل عمران «١٠٠»:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ (يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)»
٣- آل عمران «١٠٦»:
«فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ (أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ»
٤- التوبة «٦٦»:
«لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ (كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)»
وسورة التوبة هي السورة التي وردت فيها الآية «٧٤»، التي تحدثنا عنها في المنشورات السابقة، والتي ورد فيها «الكفر بعد الإسلام»، فقال تعالى:
«يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)»
كما ورد فيها العذاب الذي أعده الله للمرتدين في الدنيا والآخرة:
«وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»
والآن علينا أن نضع أمامنا الآيتين «٦٥- ٦٦»:
«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ»
مع الآية «٧٤»:
«يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا..»
وننظر ونفكر: هل الكفر بعد «الإيمان»، يختلف عن الكفر بعد «الإسلام»؟!
وهل «الإيمان» شيء، و«الإسلام» شيء آخر، منفصل عنه، كما قال الصديق: «وهناك فرق كبير في معنى الكلمتين»؟!
فرأيت أن أبيّن معنى «المصطلحات» المستخدمة في موضوع «الردة»، والتي هي المحور الأساس له، حتى لا تختلط «المفاهيم».
نستكمل إن شاء الله
محمد السعيد مشتهري