نحو إسلام الرسول

(734) 3/5/2017 يسألون عن القرآن (21)

إن أعظم المنكرات: تحريف «مسميات» كلمات الله (21)

أكبر المنكرات وأعظمها

إن من أكبر المنكرات وأعظمها، أن يُكرّم الله الإنسان بآليات التفكر والتعقل والتدبر..، «آليات عمل القلب»، ثم يعطيها الإنسان ظهره، ويتخذ إلهه هواه، ويعيش حياته يأكل ويشرب ويستمتع بدنياه، لذلك وصف الله هؤلاء القوم بقوله تعالى:

«أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً»

«أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ»

«إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً»

إن شعوب العالم المتقدم، لم تصل إلى قمة التقدم الحضاري، إلا بتفعيل «آليات عمل القلب»، وإن شعوب العالم الثالث، لم تصل إلى ذيل التقدم الحضاري، إلا بتعطيل «آليات عمل القلب».

لقد خرج «المفكرون الإسلاميون» من الكهف، كما خرج «أصحاب الكهف»، فوجدوا عالمًا لا يعلمون عنه شيئًا، وتقدمًا حضاريًا أذهل قلوبهم، فسلّموا أمرهم لله، ورضوا بقضاء الله وقدره، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل!!

لقد تفرّغ «المفكرون» الإسلاميون لـ «الفكر» الإسلامي، المُدوّن في الكتب، والمشاهد والمسموع عبر الفضائيات، وأصبحت حياة المسلمين كلامًا في كلام!!

إن المسلمين لم يشكروا ربهم على نعمة «آليات عمل القلب»، ولم يعملوا على إقامة مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، والله يقول لهم وللناس جميعًا:

«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»

وفي الآخرة، سيحاسب الله الناس على مدى تفعيلهم لنعمة «السمع والبصر والفؤاد»، فقال تعالى:

«وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً»؟

لقد ربط السياق بين «الفؤاد»، الذي محله «القلب»، وبين حاستي «السمع والبصر»، لبيان أن الغاية من إدراك «الحواس» للأشياء ليست مجرد نقلها إلى «القلب»، لأن القلب لن يفهمها، إلا إذا سبق لـ «الفؤاد» أن تعرف عليها.

وإن هذه الآية، من البراهين الدالة على استحالة فهم «القرآن بالقرآن»، بمعزل عن عالم «مسمّيات» كلماته الخارجي، وقد بيّن الله ذلك بقوله:

«فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون»

إن قوله تعالى «إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ»، ليس معناه أنهم كانوا يجحدون بآيات الله «المقروءة» في الصحف، وهم لا يعرفون «مسمّيات» كلماتها!!

وإنما المقصود، أنهم عرفوا «أسماء ومسميات» آيات الآفاق والأنفس، المقروءة والمشاهدة، ثم جحدوا بها.

وهذا ما جعل الله يُشبه الذين لا يقومون بتفعيل «آليات عمل قلوبهم»، بالأنعام التي تحمل «قلوبًا» غابت عنها «الأفئدة»:

«وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا، أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ»

وفي الآية دليل على أن آلية «التفقه» من «آليات عمل القلب»، وهي تعمل بالتناغم والتكامل مع آليتي «التفكر» و«التعقل».

إن العلاقة وثيقة ومترابطة، بين «الفؤاد» وآلية «التعقل»، وآلية «التفكر»، فالإنسان يمر بمراحل من التفكير، يُقلب خلالها الأمور، بين الحيرة والشك واليقين، أو عدم اليقين، والانتقال من فكرة إلى أخرى، قبل أن يعقلها.

وعندما تأتي آلية «التعقل» مسندة إلى «القلب»، كما في قوله تعالى:

«أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»

يكون المقصود بـ «القلب» هنا ما يحمله من آليات «التعقل» و«التفكر»، والمسؤول عنها «الفؤاد»، وذلك من باب ذكر «العام» وإرادة «الخاص»، وهذا ما بيّنه الله بقوله:

«وَأَصْبَحَ (فُؤَادُ) أُمِّ مُوسَى (فَارِغاً)»

«إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ»

إن فراغ «فؤاد» أم موسى فراغ عقلي، يجعل الحليم حيرانًا، قد يتصرف تصرفات غير مسؤولة، وهنا يظهر دور «القلب المؤمن»، الذي استحق أن يثبته الله ويهديه:

«لَوْلا أَنْ (رَبَطْنَا) عَلَى (قَلْبِهَا)»

«لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»

ولقد أخبرنا الله أن رسوله محمدًا رأى جبريل، عليهما السلام، وجاءت كلمة «الفؤاد» في سياق الآية لبيان أنها كانت رؤية حقيقية، تلقى خلالها الرسول عن جبريل «الوحي»، وهو بكامل قواه «العقلية»، فقال تعالى:

«فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى»

وقال تعالى بعدها:

«أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى»؟

وأيضا، فإن القصص القرآني يحمل من البراهين «العقلية» ما يُثبّت به الله قلوب المؤمنين، وفي مقدمتهم رسول الله محمد:

«وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ»

والسؤال:

لماذا يُصر «المفكرون الإسلاميون» على مخاطبة الناس من داخل «كهوفهم» الفكرية، مع اختلاف توجهاتهم الدينية، وقد أمرهم الله أن يقيموا الشهادة على الناس، وأن يُخرجوهم من الظلمات إلى النور، الأمر الذي يستحيل أن يحدث بمعزل عن تفعيل «آليات عمل قلوبهم»؟!

انظر حولك، واقرأ ما ينشره «المفكرون الإسلاميون» على شبكات التواصل الاجتماعي، وأنت تفهم معنى «المقت»، الذي ورد في قوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ»

«كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى