نحو إسلام الرسول

(732) 1/5/2017 يسألون عن القرآن (19)

إن أعظم المنكرات: تحريف «مسميات» كلمات الله (19)

أرسل لي الصديق «أبو محمد الحقباني» فيديو من ثلاث دقائق، يتكلم فيه صاحبه عن معنى «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ»، وأن المسلمين سيجدون هذا «النور»، في المساجد.

لقد شعرت بعد سماعه، ببلاغة النص القرآني، وكيف أنه نزل يخاطب أهل اللسان العربي بأساليبهم البيانية، وأهمها «المجاز».

فأردت أن أعبر عما شعرت به، خاصة بعد هذه الهجمة الشرسة على المساجد، والدور الذي يجب أن تقوم به بين الناس.

إن «النور» هو الشيء الذي تنكشف به «الظلمات»:

«أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا»

ولقد بيّن الله أن «النور» الذي به يهتدي الناس إلى صراطه المستقيم هو «نور» آيات كتابه:

«الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»

وقال تعالى:

«.. قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»

وقوله تعالى: «يَهْدِي بِهِ» يُبيّن أن العطف، في جملة «نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ» عطف صفات، فالنور هو نور الكتاب المبين، فتدبر:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً»

ولقد جاء قوله تعالى:

«اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض»

بعد بيان أحكام النكاح:

«وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً»

ثم قوله تعالى بعدها:

«وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ»

فهذا معناه أن هذه «الآيات المبينات» هي من «نور الله» الذي اهتدت به السماوات والأرض، ذلك أن الله منزه عن أن يصف ذاته بشيء مما يعلمه الناس، فهو سبحانه «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».

لذلك ضرب لنا مثلا لهذا «النور» بقوله تعالى بعدها:

«مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ…»

إذن يجب أن نصرف معنى «النور» الذي ورد في قوله تعالى:

«اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض»

عن المعنى «الحقيقي»، إلى المعنى «المجازي»، الذي يشمل سنن هداية المخلوقات كلها إلى ما خُلقت من أجله.

إنه «النور» الحق، الذي يُحيي القلوب الميتة:

«أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»

إنه «النور» الذي بيّنه الله في ختام الآية بقوله:

«يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»

ثم بقوله بعدها بعدة آيات:

«وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ»

ثم يأتي بيان حال المؤمنين الذين يهتدون بهذا «النور» في عباداتهم:

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ»

فأين متعلق الجار والمجرور «في»، الذي بدأت به الآية «فِي بُيُوتٍ»؟!

إنه «نور الله» الذي تحدثنا عنه، والذي يهتدي به المؤمنون وهم يقيمون «الصلاة» في «البيوت» التي أذن الله أن ترفع، وهي «المساجد».

وإن أول «بيت» رُفع على ملة إبراهيم، هو «البيت الحرام»، هو «الكعبة»، الموجودة بـ «المسجد الحرام»، بمنطقة بكة، ببلدة مكة:

«إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ»

إن هذه «البيوت» التي أذن الله أن ترفع، هي «المساجد» التي أمر الله بتعميرها:

«إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ»

وهي التي «يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ»:

«رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ»

لقد خص الله «التجارة» بالذكر، وجاءت نكرة «تِجَارَةٌ»، لبيان أن المؤمنين المصلين في هذه المساجد، لا يشغلهم أي نوع من أنواع «التجارة»، ولا أي نوع من أنواع «البيوع»، التي تشملها هذه التجارة، مهما بلغ ربحه.

ولذلك عندما أمر الله المؤمنين بإقامة «صلاة الجمعة»، من يوم الجمعة، قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»

تدبر قوله تعالى:

«فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ»

وقوله تعالى في الآية السابقة:

«رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ»

لتعلم أن لـ «المساجد» أعمالًا تعبدية، يؤديها «المؤمنون»، منذ عصر الرسالة وإلى اليوم، ويستحيل تحريف مفهومها، أو «مسمّياتها»، من هيئة للصلاة، قيام وركوع وسجود، أو اعتكاف.

ولقد أمر الله المؤمنين المسلمين بتعمير المساجد:

«إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ..»

فهل يُعقل أن يترك شياطين الإنس والجن يُحرّفون مفهوم «المسجد»، وما يؤديه المُصلّون فيه، وما يجب عليهم اتباعه من آداب وهم بداخله؟!

نعم، فكما بيّن الله أن هناك من سيعمر هذه المساجد، بيّن أيضًا أن هناك من سيسعى في خرابها:

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا»

وهل يُعقل أن يترك الله المسلمين يفترون عليه وعلى رسوله الكذب، وتحمل مكتباتهم الإسلامية أمهات كتب ما أنزل الله بها من سلطان، وينشرون قراءاتهم القرآنية الشاذة، السلفية، أو العصرية، أو المستنيرة، بين الناس؟!

نعم، لأن الله خلق الإنسان «مختارًا»، فمن شاء اتباع الدين الذي ارتضاه الله للناس، والذي تعهد بحفظه، فقد يسر الله له أدوات وآليات ذلك.

ومن شاء اتباع الدين الذي ارتضاه له شياطين الإنس والجن، فقد يسر الله له أدوات وآليات ذلك.

لأنه سبحانه القائل:

«لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ»

لذلك رأينا من يريدون تحويل «المساجد» إلى أماكن للترفيه، يجتمع فيه الرجال والنساء للتسلية، ولا مانع من مشاركة «المثليّين»، فإذا جاء «داعش» وفجر هذه المساجد، قامت دنيا «حقوق الإنسان» ولم تقعد!!

أما الذين «أوتوا العلم»، فهؤلاء تمسّكوا بما حفظه الله، وجعله «آية» تنطق بالحق:

«وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى