نحو إسلام الرسول

(724) 25/4/2017 يسألون عن القرآن (14)

إن أعظم المنكرات: تحريف «مسميات» كلمات الله (14)

الربوبية والإلهية «منظومة إيمانية» متلازمة متكاملة

هناك من فرّقوا بين كلمة «الإله» وكلمة «الرب»، فجعلوا للإله ذاتًا منفصلة عن الرب، وهناك من اعتبروا أن «الإله» له أعمال تختلف عن أعمال «الرب»، وعليه أثاروا شبهة أن عيسى عليه السلام «كلمة الله».

فتعالوا نتدبر قوله تعالى:

«إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ (اللَّهَ) يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ»

نفهم من الآية أنها بُشرى من «الله» لمريم، بولادة عيسى، عليهما السلام، وأن ولادته ستكون بكلمة من «الله»، أي بفعالية اسم من أسماء الله الحسنى، وقد سماها الله «كلمة» لكونها «آية» دالة عليه سبحانه.

ولذلك عندما سألت مريم ربها:

«قَالَتْ (رَبِّ) أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ»

جاء الجواب:

«قَالَ كَذَلِكِ (اللَّهُ) يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ» – «إِذَا قَضَى أَمْراً» – «فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»

وعندما أراد الله أن يبين للناس «سُنّة» انحراف أتباع الرسل عن رسالتهم، إلى درجة «الشرك بالله»، ضرب المثل بآخر رسول بعثه الله قبل محمد، وهو عيسى، عليهما السلام.

لقد خاطب الله عيسى كأنه يعيش بيننا اليوم، فقال تعالى:

«وَإِذْ قَالَ (اللَّهُ) يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ (اللَّهِ) قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ»

«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»

وعلى فرض أن محمدًا لم يكن خاتم النبيّين، وبعث الله رسولًا بعده بكتاب، فأنا على يقين أن الله سيقول لرسوله محمد في هذا الكتاب:

أَأَنت قلت لأتابعك اتخذوا مصدرًا ثانيًا للتشريع باسم «السنة النبوية»، تخضع مروياته للتصحيح والتضعيف، كل فرقة حسب مدرسة علمائها في الجرح والتعديل، ومذاهبهم العقدية المختلفة؟!

لقد قال جميع الأنبياء والرسل لأقوامهم، مثل ما قال عيسى، عليه السلام:

«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا (اللَّهَ) (رَبِّي) وَ(رَبَّكُمْ)»

إن «الرب» هو الذي تفرد في الكون بفعالية أسمائه الحسنى، الخالق، الرازق، القادر، السميع، العليم..، إلى آخر الأسماء.

و«الإله» هو «الرب»، الذي يجب أن يُقر له الناس بالوحدانية، ولا يشركون به شيئًا، ولا يعبدون سواه، «لا إله إلا هو»:

«أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ (اللّهُ) (رَبُّ) الْعَالَمِينَ»

نلاحظ هنا ورود لفظ الجلالة «اللَّهَ» في سياق بيان فعالية الربوبية «أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ… رَبُّ الْعَالَمِينَ»، و«الرب» الذي تفرد بـ «الخلق»، يُطاع طاعة مطلقة في «أمره»، لأن «الإلهية» من مقتضى «الربوبية»: «تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ».

لذلك فإن الذي يُحدد مفهوم الرب «الربوبية»، ومفهوم الإله «الإلهية»، ليس ورود كلمة «رب»، أو «الله» في السياق القرآني، وإنما تدبر دراسة السياق نفسه وتدبره، يقول الله تعالى:

«إِنَّ (اللَّهَ) هُوَ (الرَّزَّاقُ) ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ»

لقد جاء لفظ الجلالة «الله» في سياق بيان فعالية الربوبية، «الرَّزَّاقُ»، لبيان أن الذي أمرنا بـ «الوحدانية»، وبإخلاص «العبودية»، هو «الرب» الذي رزقنا، «ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ».

إن التحدي الأكبر الذي واجه جميع الرسل، لم يكن إقرار الناس بـ «الربوبية» واعترافهم أن «الله» هو الخالق، الرازق..، إلى آخر الأسماء الحسنى، وإنما في إقرارهم بـ «الإلهية»، وأن «الله» وحده هو المستحق بـ «العبادة»:

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا (إِلَهَ) إِلاَّ أَنَا (فَاعْبُدُونِ)»

تدبر العلاقة بين «لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا»، وبين «فَاعْبُدُونِ»

لقد كان المشركون يُقرون بـ «الربوبية»، وأن «الله» هو الخالق، الرازق..، إلى آخر الأسماء الحسنى، فتدبر:

* «قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ (لِلَّهِ) قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ»

* قُلْ مَنْ (رَبُّ) السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ (لِلَّهِ) قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ»

* «قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ (لِلَّهِ) قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ»

* «بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»

ثم جاء ببيان أن الإقرار بـ «الربوبية»، يقتضي الإقرار بـ «الإلهية»:

* «مَا اتَّخَذَ (اللَّهُ) مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ (إِلَهٍ) إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ (إِلَهٍ) بِمَا خَلَقَ، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، سُبْحَانَ (اللَّهِ) عَمَّا يَصِفُونَ»

* «عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»

إن الإقرار بـ «الإلهية» يعني إفراد «الرب» بالعبادة، لا شريك له، فلا صلاة، ولا صيام، ولا زكاة، ولا حج، ولا دعاء، ولا استعانة، ولا توكل، ولا خوف، ولا رجاء، ولا حب..، إلا والقلب في مقام الفهم الواعي لحقيقة «الوحدانية».

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ»

إن «الإيمان» و«الإسلام» منظومة متكاملة، مدخلها هو الإقرار بـ «الربوبية»، الأمر الذي يقتضي الإقرار بـ «الإلهية»، وبفعالية أسماء الله الحسنى، وهذا ما نفهمه من تدبر الآيات التالية:

* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا (رَبَّكُمْ)، الَّذِي (خَلَقَكُمْ) وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»

* «الَّذِي (جَعَلَ) لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَ(أَنْزَلَ) مِنْ السَّمَاءِ مَاءً (فَأَخْرَجَ) بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ، (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً) وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»

إن الإقرار بـ «الربوبية»:

«الَّذِي خَلَقَكُمْ.. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ.. وَأَنْزَلَ.. فَأَخْرَجَ»

يقتضي الإقرار بـ «الإلهية»:

«فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»

ولقد ربط الله دعوة الناس إلى الإقرار بـ «الربوبية»، وبـ «الإلهية»، بالبرهان على صدق «نبوة» رسوله محمد، عليه السلام:

* «وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا (نَزَّلْنَا) عَلَى عَبْدِنَا، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ (مِنْ دُونِ اللَّهِ) إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»

* «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا (وَلَنْ تَفْعَلُوا) فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ (لِلْكَافِرِينَ)»

والسؤال:

أولا: من أين جاء المسلمون بـ «المصدر الثاني للتشريع»، الذي تسميه كل فرقة من الفرق الإسلامية بـ «السنة النبوية»، ليأخذ قدسية في قلوب أتباعها، والله يشهد أن الذي أنزله على عبده هو سور القرآن؟!

ثانيا: ولماذا تفرق المسلمون في «الدين»، مع تحذير الله لهم من هذا التفرق، ووصف الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا بـ «المشركين»، وتوعدهم بالخلود في جهنم إن هم ماتوا على ذلك؟!

الجواب:

لأن المسلمين عاشوا حياتهم مُقرّين بـ «الربوبية»، وقد أعطوا ظهورهم لـ «الإلهية»، فافتروا على الله مصادر تشريعية ما أنزل بها من سلطان، وقرؤوا القرآن قراءات عصرية تهدم بنية السياق القرآني، وأحكام الشريعة القرآنية.

«وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى