إن أعظم المنكرات: تحريف «مُسمّيات» كلمات الله (13)
«التمثيل والتشبيه والتأكيد والمحذوف والمفهوم ضمنيًا»
عندما نقرأ قوله تعالى:
«قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً»
ونبحث عن كلمة «مد» في السياق القرآني، باستخدام الجذر، سنحصل على «٣٢» آية وردت فيها مادة الكلمة، وكلها يمكن أن يُفهم من سياقها أنها تعني العطاء والإمداد، بما يُكثّر أو يقوي الشيء، في الشر أو في الخير، أو تأتي بمعنى الإمهال.
أما كلمة «مِداد» فلا معنى لها في كتاب الله، إلا إذا اعتبرناها تابعة لمعاني الـ «٣١» كلمة، وبالتالي نفهم الآية على النحو التالي:
«لو كان البحر مدعّمًا ومقوّيًا ومكثّرًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي»
فإذا ذهبنا إلى مراجع «اللغة العربية»، وجدنا أن «المِداد» يطلق على «الحِبر» الذي كان العرب يكتبون به، مستخدمين الأقلام الخشب، وعليه نفهم الآية على النحو التالي:
«لَوْ كَانَ الْبَحْرُ» (حبرًا) «لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً»
ولكن ما معنى أن البحر حبر «لِكَلِمَاتِ رَبِّي»؟!
كلام غير مفهوم!!
فإذا ذهبنا إلى «اللغة العربية»، علمنا أن هناك ما يُسمى بـ «المحذوف» الذي يُفهم ضمنيًا من السياق، وعليه نفهم أن المقصود:
«لَوْ كَانَ الْبَحْرُ» (حبرًا تُكتب به) «لِكَلِمَاتِ رَبِّي»، (لنفد هذا الحبر)، «قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً».
وهذا التصوير البلاغي للمشهد يُسمى في علم «البيان» بـ «التشبيه»، فهذه البحار التي تغطي ما يزيد عن ثلثي الأرض، لو أصبحت مدادًا «حبرًا» كُتَبَ به «كلمات ربي»، أي فعالية أسمائه الحسنى في هذا الوجود، لنفد هذا «المِداد» قبل أن تنفد «كلمات ربي».
ولكن لماذا أعيد تكرار كلمة «البحر»، ولم يقل «لَنَفِدَ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي»، وليس «لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي»، ومعلوم ضمنيًا أن المقصود «البحر»؟!
لأنه أراد بهذا التكرار «التأكيد والتثبيت».
ثم تأتي بعد ذلك، وفي نفس سياق الآية، مادة الكلمة «مد» بمعنى «الإمداد والدعم والتكثير»، فقال تعالى: «وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ (مَدَداً)»، ويُسمّي المِدادُ مداداً لأنه يمد قلم الكاتب بالحبر.
وكل هذه الأساليب البلاغية السابق ذكرها، كانت معروفة للعرب، وخاطبهم الله بها، وتعلمناها نحن من مراجع «اللغة العربية»، ويستحيل تعلمها من القرآن.
والسؤال:
ما هي الوسيلة التي تستخدم لكتابة «كلمات ربي» بمداد البحر؟!
وهل لو جئنا بثلاثة أضعاف مياه البحر، وليس فقط «بِمِثْلِهِ»، يمكن كتابة كلمات ربي» كلها؟!
قال تعالى:
«وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
ولقد جاءت هذه الآية بيانًا للآية السابقة، وهي تحمل من الأساليب البلاغية الكثير، خاصة أنها بدأت بحرف «لو»، وهذا الحرف له في السياق القرآني استعمالات كثيرة، يُرجع إليها في مراجع اللغة.
ويمكن أن نقف عند مجيء كلمة «شجرة» مفردة، مع أن السياق سياق بيان الكثرة لا القلة، فما سبب ذلك؟!
لأن «الشجرة» واحد الشجر، وتفيد في سياق «لو» الاستغراق: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ»، أي كل شجرة في الأرض، فأراد بيان حصر الشجر شجرة شجرة.
ولأن كمية مياه البحار ثابتة، وعدد الأقلام لا حصر له، بيّن الله أن السياق سياق تمثيل وتشبيه، وليس على الحقيقة، وأن مجيء الرقم «٧» «وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ»، ليس مقصودا لذاته.
لقد كان العرب يعتبرون الرقم «٧» منتهى العدد، وعنده تنتهي أيام الأسبوع، وكانوا يستخدمونه للتعبير عن الكثرة، فخاطبهم الله بما يعلمونه.
أما عن الفرق بين «كَلِمَاتُ رَبِّي»، في قوله تعالى:
«قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً (لِكَلِمَاتِ رَبِّي) لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً»
و«كَلِمَاتُ اللَّهِ»، في قوله تعالى:
«وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ (كَلِمَاتُ اللَّهِ) إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
فهذا يتعلق بـ «علم السياق»، وموضوعه المنشور القادم.
محمد السعيد مشتهري